- و الشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر، و الغناء
لمعبد ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر- قال: فأخلّت ببعضه.
فقال لها معبد:
يا جارية، لقد أخللت بهذا الصوت إخلالا شديدا. فغضب الرجل و قال له: ويلك! ما أنت
و الغناء! أ لا تكفّ عن هذا الفضول! فأمسك. و غنّى الجواري مليّا، ثم غنّت
إحداهنّ:
- الشعر لكثيّر، و الغناء لمعبد خفيف ثقيل
بالسبّابة في مجرى الوسطى، و فيه رمل للغريض- قال: فلم تصنع فيه شيئا. فقال لها
معبد: يا هذه، أ ما تقوين [2] على أداء صوت واحد؟ فغضب الرجل و قال له: ما أراك
تدع هذا الفضول بوجه و لا حيلة! و أقسم باللّه لئن عاودت لأخرجنّك من السفينة،
فأمسك معبد، حتى إذا سكتت/ الجواري سكتة اندفع يغنّي الصوت الأوّل حتى فرغ منه،
فصاح الجواري: أحسنت و اللّه يا رجل! فأعده. فقال: لا و اللّه و لا كرامة. ثم
اندفع يغنّي الثاني، فقلن لسيدهنّ: ويحك! هذا و اللّه أحسن الناس غناء، فسله أن
يعيده علينا و لو مرّة واحدة لعلّنا نأخذه عنه، فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا.
فقال: قد سمعتنّ سوء ردّه عليكنّ و أنا خائف مثله منه، و قد أسلفناه الإساءة،
فاصبرن حتى نداريه. ثم غنّى الثالث، فزلزل عليهم الأرض. فوثب الرجل فخرج إليه و
قبّل رأسه و قال: يا سيّدي/ أخطأنا عليك و لم نعرف موضعك. فقال له: فهبك لم تعرف
موضعي، قد كان ينبغي لك أن تتثبّت و لا تسرع إليّ بسوء العشرة و جفاء القول. فقال
له: قد أخطأت و أنا أعتذر إليك مما جرى، و أسألك أن تنزل اليّ و تختلط بي. فقال:
أمّا الآن فلا. فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه. فقال [3] له الرجل: ممن أخذت هذا
الغناء؟ قال: من بعض أهل الحجاز، فمن أين أخذه جواريك؟ فقال: أخذنه من جارية كانت
لي ابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة، و كانت قد أخذت عن أبي عبّاد معبد و عني
بتخريجها، فكانت تحلّ منّي محلّ الروح من الجسد، ثم استأثر اللّه عزّ و جلّ بها، و
بقي هؤلاء الجواري و هنّ من تعليمها، فأنا إلى الآن أتعصّب لمعبد و أفضّله على
المغنّين جميعا و أفضّل صنعته على كل صنعة. فقال له معبد: أو إنك [4] لأنت هو! أ
فتعرفني؟ قال لا. قال: فصكّ [5] معبد بيده صلعته ثم قال: فأنا و اللّه معبد، و
إليك قدمت من الحجاز، و وافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز، و و
اللّه لا قصّرت في جواريك هؤلاء، و لأجعلنّ لك في كلّ واحدة منهنّ خلفا من
الماضية. فأكبّ الرجل و الجواري على يديه و رجليه يقبّلونها و يقولون: كتمتنا نفسك
طول/ هذا
[1]
في جميع الأصول: «عوجا منكما». و التصويب من نسخة «مسالك الأبصار» المخطوطة بدار
الكتب المصرية تحت رقم 99 تاريخ م.