و قال ابن سنان إنّ من الاستدلال
بالتمثيل على الوجه الصحيح قول النابغة الذبياني يخاطب النعمان:
و
لكنّني كنت امرء لي جانب
من
الأرض فيه مستراد و مذهب
ملوك
و إخوان إذا ما لقيتهم
أحكّم
في أموالهم و أقرّب
كفعلك
في قوم أراك اصطنعتهم
فلم
ترهم في شكر ذلك أذنبوا
ثم قال: «فاستدل النابغة على أنّه لا يستحق اللوم بمدحه آل جفتة و قد أحسنوا اليه بما
مثّله من القوم الذين أنعم النعمان عليهم، فلما مدحوه لم يكونوا عنده ملومين». و
هذا من المذهب الكلامي عند البلاغيين، أما الأبيات الاولى فهي من التمثيل أو
الاستعارة بالتمثيل.
الاستشهاد:
يقال: اشهدت الرجل على اقرار
الغريم و استشهدته بمعنى، و منه قوله تعالى:وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ
مِنْ رِجالِكُمْ[2] أي: أشهدوا شهيدين. و استشهدت فلانا على فلان إذا سألته إقامة شهادة
احتملها[3].
و ذكر العسكري فنا سماه «الاستشهاد و الاحتجاج» و هو من زياداته[4]، و قد قال عنه:
«و هذا الجنس كثير في كلام القدماء و المحدثين، و هو أحسن ما يتعاطى من
أجناس صنعة الشعر و مجراه مجرى التذييل لتوليد المعنى، و هو أن تأتي بمعنى ثم
تؤكده بمعنى آخر يجري مجرى الاستشهاد على الأول و الحجة على صحته»[5].
و مثاله قول بشار:
فلا
تجعل الشّورى عليك غضاضة
فانّ
الخوافي قوّة للقوادم
و قول أبي تمام:
نقّل
فؤادك حيث شئت من الهوى
ما
الحبّ إلا للحبيب الأول
كم
منزل في الأرض يألفه الفتى
و
حنينه أبدا لأول منزل
و أخذ الدمنهوري بهذا المعنى و ذكر
أبيات العسكري التي ذكرها في الصناعتين و هي:
كان
لي ركن شديد
وقعت
فيه الزلازل
زعزعته
نوب الدّه
ر
و كرّات النوازل
ما
بقاء الحجر الصّل
ب
على وقع المعاول
و قال: «إن الشاهد في البيت الثالث»[6]، و هذا من الاطناب عند المتأخرين. و
الاستشهاد عند غيرهما هو الاستشهاد بالآيات الكريمة، و قد تحدث الحلبي و النويري
عن خصائص الكتابة، و مما يتصل بها الاقتباس و الاستشهاد و الحل، و قالا إن
الاستشهاد بالآيات ينبغي أن ينبه عليها[7].
[1]العرف؛
الرائحة مطلقا، و اكثر استعماله في الطيبة.