لم يذكره أحد بهذا الاسم غير
الحموي[2] و
لعل فيه تصحيفا لأنّ التعريف الذي ذكره لهذا النوع هو ما ذكره الآخرون للمتوازي[3]، و قد تقدّم.
السّرقة:
سرق الشيء يسرقه سرقا و سرقا و
الاسم السّرق و السّرقة، و السرقة: الأخذ بخفية، و يقال: سرق الشيء سرقا: خفي[4].
فطن العرب منذ عهد مبكر الى
التجديد و التقليد و فرّقوا بين الابتداع و الإتباع و وضعوا لذلك قواعد و أصولا. و
السّرقات قديمة في الأدب العربي و قد وجدت بين شعراء الجاهلية، و فطن النقاد و
الشعراء اليها و لحظوا مظاهرها بين امرئ القيس و طرفة بن العبد، و بين الاعشى و
النابغة الذبياني، و بين أوس بن حجر و زهير بن ابن سلمى. و كان حسان بن ثابت يعتز
بكلامه و ينفي عن معانيه الأخذ و الاغارة، قال:
لا
أسرق الشعراء ما نطقوا
بل
لا يوافق شعرهم شعري
و كانت السرقة من موضوع الملاحاة
بين جرير و الفرزدق، و كل ادّعى أنّ صاحبه يأخذ منه، و من ذلك قول الفرزدق يخاطب
جريرا:
إن
تذكروا كرمي بلؤم أبيكم
و
أوابدي تتنحّلوا الأشعارا
و غضب على البعيث المجاشعي لما
أخذه أحد معانيه فقال فيه:
إذا
ما قلت قافية شرودا
تنحلّها
ابن حمراء العجان
و كان الجاحظ قد أشار الى السرقات
و مهّد للباحثين السبيل، قال: «لا يعلم في الأرض شاعر قديم في تشبيه مصيب تامّ و في معنى غريب عجيب أو
في معنى شريف كريم أو في بديع مخترع إلا و كل من جاء من الشعراء من بعده أو معه إن
هو لم يعد على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه بأسره فانّه لا يدع أن يستعين بالمعنى و
يجعل نفسه شريكا فيه كالمعنى الذي تتنازعه الشعراء فتختلف ألفاظهم و أعاريض
أشعارهم و لا يكون أحد منهم أحق بذلك المعنى من صاحبه، أو لعله إن يجحد أنّه سمع
بذلك المعنى قط و قال: «إنّه خطر على بالي من غير سماع كما خطر على بال الأول»[5].
و عالج النقاد و البلاغيون موضوع
السرقة، و قال ابن طباطبا إنّ الشعراء السابقين غلبوا على المعاني الشعرية فضاق
السبيل امام المحدثين و لم يكن من الأخذ بدّ.
و قال إنّه ينبغي على الشاعر أن
يديم النظر في شعر السابقين لتعلق معانيها بفهمه و ترسخ أصولها في قلبه و اذا ما
نظم الشعر وجدها أمام ناظريه و لكن لا ينبغي له أن يغير على معاني الآخرين فيودعها
شعره لأنّ هذا لا يستر سرقته[6].
و رأى الآمدي أن لا سرقة في
الألفاظ لأنّها مباحة غير محظورة و إنّما السرقة تتحقّق في المعاني البديعة
المخترعة التي يختص بها شاعر لا في المعاني المشتركة بين الناس الجارية في عاداتهم
و المستعملة في أمثالهم و محاوراتهم مما ترتفع الظنة فيه عن الذي يورده أن يقال
أخذه من غيره، قال: «و إنما السّرق
[1]نهاية
الايجاز ص 34، خزانة ص 423، معترك ج 1 ص 49، شرح عقود الجمان ص 151، التبيان في
البيان ص 420.