و حكي أنّ سيف الدولة الحمداني قال
للمتنبي: قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله: «كأني لم أركب ...» فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس و كان
ينبغي لك أن تقول:
وقفت
و ما في الموت شكّ لواقف
و
وجهك وضّاح و ثغرك باسم
تمرّ
بك الأبطال كلمى هزيمة
كأنك
في جفن الردى و هو نائم
فقال المتنبي: «إن صحّ أنّ الذي استدرك على امرئ
القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس و أخطأت أنا، و مولانا يعلم أنّ
الثوب لا يعلمه البزّاز كما يعلمه الحائك لأنّ البزاز يعرف جملته و الحائك يعرف
تفاصيله و إنّما قرن امرؤ القيس النساء بلذة الركوب للصيد و قرن السماحة بسباء
الخمر للاضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، و كذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت
الأول اتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن تلاؤما، و لما كان وجه المنهزم الجريح
عبوسا و عينه باكية قلت: «و وجهك وضّاح و ثغرك باسم» لأجمع بين الأضداد»[2].
فتناسب الابيات و الأشطار و
الارتباط بينها من أهم ما ينبغي للشاعر العناية به لئلا يحدث خلل أو تختل الصورة
الشعرية إذا وقع تنافر بين العبارات.
تناسب الأطراف:
قال المدني: «تناسب الأطراف عبارة عن أن يبتدىء المتكلّم كلامه بمعنى ثم يختمه بما
يناسب ذلك المعنى الذي ابتدأ به. و هذا النوع جعله الخطيب في التلخيص و الإيضاح من
مراعاة النظير[3].
قال:
و من مراعاة النظير ما يسمّيه
بعضهم تشابه الأطراف و هو أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى، و قد علمت
أنّ الشيخ زكي الدين بن أبي الإصبع نقل هذا الاسم و هو «تشابه الأطراف» إلى نوع التسبيغ الذي هو عبارة عن أن يعيد الشاعر لفظة
القافية في أول البيت الذي يليها فتكون الأطراف متشابهة و هي تسمية مطابقة
للمسمّى. و سمّى بعضهم هذا النوع «تشابه الأطراف المعنوي» و هو تطويل في العبارة فرأينا نحن تسميته بتناسب
الأطراف أولى لمطابقته لمسمّاه»[4].
و هو نوعان: ظاهر و خفيّ، فالأوّل
كقوله تعالى:لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ[5] فإن
«اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالابصار، و
الخبير يناسب كونه مدركا للاشياء لأنّ المدرك للشيء يكون خبيرا».
الثاني كقوله تعالى:إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ[6].
فان قوله- سبحانه-:وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ يوهم أنّ الفاصلة «الْغَفُورُالرَّحِيمُ»* و لكن اذا أمعن و انعم النظر علم
أنّه يجب أن تكون على ما عليه التلاوة لأنّه لا يغفر لمن يستحق