نام کتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها نویسنده : احمد مطلوب جلد : 1 صفحه : 406
كانت دراستهم لها قاصرة، أما الذين
عنوا باسلوب القرآن الكريم فقد تجاوزوا ذلك و نظروا الى التقديم و التأخير نظرة
أوسع و اكثر عمقا فجاءت مادتهم أغزر و بحوثهم أخصب، و لا يكاد يستثنى من ذلك إلا
عبد القاهر الذي أبدع في تحليل الأساليب البلاغية و نقل النحو من أحوال الإعراب و
البناء الى المعاني التي تزخر بها العبارات، و كانت نظريته في النظم من أحسن ما
عرف النقد القديم و البلاغة العربية.
سمّاه الحلبي و النويري «التقسيم المفرد»[2]، و التقسيم من الأساليب العريقة في
اللغة العربية، فقد سمع عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قول زهير و كان لشعره
مقدما:
و
إنّ الحقّ مقطعه ثلاث
يمين
أو نفار أو جلاء
فقال كالمعجب: «من علّمه بالحقوق و تفصيله بينها و
اقامته أقسامها؟»[3]. و ذكر الجاحظ إعجاب عمر- رضي اللّه عنه- بقول عبدة بن الطبيب أيضا:
و
المرء ساع لأمر ليس يدركه
و
العيش شحّ و إشفاق و تأميل
و قال: و كان عمر بن الخطاب- رضي
اللّه عنه- يردد هذا النصف الآخر و يعجب من جودة التقسيم»[4].
و كان ذلك أساس فن التقسيم في
البلاغة العربية، و قد قال القاضي الجرجاني عن قول زهير:
يطعنهم
ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا
ضارب
حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
«فقسّم البيت على أحوال الحرب و مراتب
اللقاء، ثم ألحق بكل قسم مايليه في المعنى الذي قصده من تفضيل الممدوح فصار موصولا
به مقرونا اليه»[5].
و تحدث قدامة عن تمام الأقسام
فقال: «هو أن يؤتى بالأقسام مستوفاة لم يخلّ
بشيء منها و مخلصة لم يدخل بعضها في بعض»[6]. كقول بعضهم: «فانك لم تخل فيما بدأتني من مجد أثّلته، و شكر تعجلته، و أجر ادخرته». و
تحدث عن صحة التقسيم و قال:
«و صحة التقسيم أن توضع معان يحتاج الى تبيين أحوالها فاذا شرحت أتي
بتلك المعاني من غير عدول عنها و لا زيادة عليها و لا نقصان منها»[7].
كقول بعضهم: «انا واثق بمسالستك في حال بمثل ما أعلم من مشارستك في أخرى: لانك إذا
عطفت وجدت لدنا، و إذا غمزت ألفيت شثنا». و هذا غير التقسيم المعروف و إنما هو نوع
من اللف و النشر.
و قال العسكريّ: «التقسيم الصحيح أن تقسم الكلام على جميع
أنواعه و لا يخرج منها جنس من أجناسه»[8].
و قال الخفاجي: «أن تكون الأقسام المذكورة لم يخلّ
بشيء منها و لا تكرّرت و لا دخل بعضها تحت بعض»[9].
و قال ابن رشيق: إنّ بعضهم يرى أنّ
التقسيم «استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به»[10]، وعدّ من التقسيم التقطيع، و من التقطيع الترصيع.
وعدّ عبد القاهر التقسيم من النظم
الجيد و لا سيما اذا تلاه جمع كقول حسان ابن ثابت: