و أمّا المتكلمون فإنّ أكثرهم جوّزوا تخلّف
الأثر عن مجموع القدرة و الداعي، بل أوجبوه لإحالتهم الداعي إلى موجود، فلذلك
أوجبوا حدوث العالم.
و استدلّ المصنّف على أنّ فعل المختار لا بدّ أن
يكون حادثا زمانيّا بأنّه لو لم يكن متأخّرا عنه لكان موجودا معه لا يتخلّف عنه،
فيلزم دعوة الداعي إلى إيجاد الموجود و قصد القاصد إلى تحصيل الحاصل، و هو ضروريّ
الاستحالة.
و استدلّ على أنّ فعل الموجب يجب مقارنته، بأنّه
لولاه لكان وجوده فيما بعد إمّا أن لا يتوقّف على أمر آخر غير ما فرضناه أوّلا أو
يتوقّف. و الأوّل يلزم منه الترجيح بغير[1] مرجّح، و الثاني يلزم
منه أن لا يكون ما فرضناه أوّلا فاعلا تامّا، و الفرض أنّه تامّ، هذا خلف.
قال: نتيجة- الواجب المؤثّر في الممكنات
قادر إذ لو كان موجبا لكانت الممكنات قديمة لما عرفت. و اللازم باطل لما تقدّم،
فالملزوم مثله.
أقول: النتيجة هي القول اللازم عن القياس
لذاته. و لم يسبق هنا قياس هذه نتيجته، لكن لمّا ذكر الأصلين السابقين- و هما
العمدة في الدليل على كون المؤثّر قادرا- سمّى صورة القياس و بيان ملازماته و نفي
تاليه نتيجة على سبيل المجاز. و أشار إلى توجيه الدليل بما تقريره أن نقول:
الواجب تعالى قادر: لأنّه لولاه لكان موجبا، و
لو كان موجبا لزم قدم العالم. ينتج: لو لم يكن قادرا لزم قدم العالم، و التالي
باطل، فالمقدّم مثله.
المتكلّمين- أنّ الفلاسفة قائلون بإيجاب اللّه
تعالى بالمعنى المذكور، و المحقّقون ينفون صحّة هذا النقل عنهم. و يقولون:
بأنّهم يقولون باختياره تعالى. و قد حقّق
المحقّق الطوسيّ موضع الخلاف بين الفريقين في تصانيفه، و قال: إنّ الحكماء يقولون:
كلّ فاعل فعل بإرادة مختار، سواء قارنه فعله في زمانه أو تأخّر عنه. و موضع الخلاف
بين الحكماء و المتكلّمين في الداعي، و ذلك لأنّ الحكماء يجوّزون تعلّق الداعي
بالموجود، و مع انضمامه إلى القدرة يجب وقوع الفعل، و حيث إنّ القدرة و الداعي
أزليّان فالفعل أزليّ، فمن ثمّ قالوا بقدم العالم. و المتكلّمون يقولون: إنّه لا
يدعو إلّا إلى معدوم ليصدر عن الفاعل وجوده بعد الداعي بالزمان أو تقدير الزمان. و
يقولون: إنّ هذا الحكم ضروريّ إذ لو دعا إلى الموجود لزم تحصيل الحاصل، و هو
محال. إرشاد الطالبين: 183.