إلّا بعد العلم بالوجود لأنّ الفاعل هو المفيد
للوجود و المنفعل هو المستفيد للوجود، و القديم هو الّذي لم يسبق وجوده العدم و
الحادث هو الّذي سبق وجوده العدم، فالوجود جزء مفهوم التعريف فيقدّم عليه، فيلزم
تقدّم الشيء على نفسه و هو محال لأنّه من حيث إنّه متقدّم موجود، و من حيث إنّه
متأخّر معدوم، فيلزم كون الشيء الواحد موجودا و معدوما معا و هو محال.
و أمّا التعريف الثّالث فهو أنّ مفهوم الكون
مفهوم الوجود، فمن علم الكون علم الوجود، و من لم يعلمه لم يعلمه، ففي تعريف
الوجود به تعريف الشيء بما يساويه في المعرفة و الجهالة و هو فاسد لأنّ المعرّف
يجب أن يكون أجلى من المعرّف كما تقرّر في علم الميزان[1].
[تقسيم الوجود إلى الواجب و الممكن]
قال: تقسيم- وجود كلّ شيء إمّا أن يكون من
غيره أو لم يكن، و الأوّل ممكن الوجود، و الثّاني واجب الوجود، و الموجودات بأسرها
منحصرة فيهما.
أقول: لمّا بيّن كون مفهوم الوجود ضروريّا شرع
في تقسيمه إلى أقسامه. و التقسيم هو أخذ معنى من المعاني و ضمّ شيء من المخصّصات إليه
على طريق الترديد، ليصير ذلك المعنى مع المخصّص المردّد- نفيا و إثباتا- قسما من
الأقسام. كما يقال هنا: وجود الشيء خارجا إمّا أن يكون ناشئا عن ذاته أي لا يفتقر
في تحصيل وجوده في الخارج إلى أمر مغاير لذاته، أو لا يكون. و الأوّل هو الواجب
لذاته، و الثاني هو الممكن لذاته. و الموجودات بأسرها منحصرة في هذين القسمين،
للترديد الدائر بين النفي و الإثبات الموجب للحصر، فلا ثالث لهما. فالمنفصلة
المركّبة منهما حقيقيّة في قولنا:
الموجود إمّا واجب لذاته و إمّا ممكن لذاته، لا
يجتمعان و لا يرتفعان. و هنا فوائد:
الأولى: إنّما قيّدنا الوجود
بالخارجيّ لأنّ الوجود الذهنيّ كجبل من ياقوت، و بحر من زئبق لا ينحصر في الواجب
لذاته و الممكن لذاته، فإنّه يصدق على الممتنع لذاته أيضا. فإنّ الذهن يفرض جميع
الأشياء و يحكم عليها حتّى اجتماع النقيضين و حصول
[1]النجاة من الغرق في بحر الضلالات: 173،
التحصيل، لبهمنيار: 260، فصل في ما يجب مراعاته في الحدود، حاشية ملّا عبد اللّه:
57.