و أمّا اللذّة العقليّة فأثبتها الحكماء له
تعالى[1]، قالوا: لأنّه مدرك لذاته، و ذاته أعظم الذوات و أجلّها، و
إدراكه أقوى الإدراكات و أتمّها، فيكون أعظم مدرك لأجلّ مدرك بأتمّ إدراك. و يدرك
أيضا حقائق الأشياء على ما هي عليه بأسبابها و لوازمها إدراكا كلّيّا يمتنع زواله.
و بعض من أثبت اللذّة العقليّة منع من إطلاق هذه اللفظة عليه تأدّبا مع الشرع
الشريف حيث لم ترد هذه اللّفظة فيه[2].
[الواجب لا ضدّ له و لا ندّ له]
قال: تبصرة- الضدّ عرض يعاقبه عرض آخر في
محلّه، و ينافيه فيه، و الندّ هو المشارك في الحقيقة. و قد ثبت أنّ الواجب، ليس
بعرض، و لا يشاركه غيره في حقيقته، فلا ضدّ له و لا ندّ له.
أقول: يريد أن يبيّن أنّه تعالى لا ضدّ له و
لا ندّ له، فهنا مسألتان:
الأولى: أنّه لا ضدّ له. و
الضدّ يقال على ثلاثة معان:
الأوّل: عند الجمهور يقال على
مساو في القوّة لشيء آخر، ممانع له في الوجود و الفعل. و الواجب لا ضدّ له بهذا
المعنى إذ كلّ ما سواه رشحة من رشحات فيض جوده.
و المعلول لا يساوي العلّة و لا يمنع وجودها و
إلّا لنافاها، فيلزم كون المعلول منافيا لوجود نفسه و هو محال. و المصنّف لم
يتعرّض لإبطال هذا القسم.
الثاني: الضدّان عرضان
وجوديّان يصحّ تعاقبهما على محلّ واحد، و يمتنع اجتماعهما فيه، و بينهما غاية
الخلاف، و هذا تعريف الحكماء و يسمّى حقيقيّا.
الثالث: الضدّان عرضان
وجوديّان يصحّ تعاقبهما على محلّ واحد، و يمتنع اجتماعهما فيه. و هذا تعريف عامّة
أهل العلم و يسمّى مشهوريّا.
و التعريف الثاني أخصّ من الثالث مطلقا، فإنّ
الثاني يستلزم الثالث ضرورة دون
[1]قالت الحكماء: اللذّة هو إدراك الملائم،
و هو تعالى عالم لذاته بذاته، و أشدّ الملائمات بالقياس إليه هو ذاته تعالى،
فلذّته أعظم اللذّات. تلخيص المحصّل: 450.
[2]قال العلّامة في كشف المراد: و قد يعنى
بالألم إدراك المنافي، و باللذّة إدراك الملائم. فالألم بهذا المعنى منفيّ عنه
لأنّ واجب الوجود لا منافي له. و أمّا اللذّة فقد اتّفق الأوائل على ثبوتها للّه
تعالى لأنّه مدرك لأكمل الموجودات أعني ذاته فيكون ملتذّا به. و المصنّف كأنّه قد
ارتضى هذا القول، و هذا مذهب ابن نوبخت و غيره من المتكلّمين، إلّا أنّ إطلاق لفظ
الملتذّ عليه يستدعي الإذن الشرعيّ. كشف المراد: 229.