قال: تبصرة- الألم و اللّذة تابعان للمزاج، و
المزاج عرض. و حيث إنّ الواجب ليس محلّا للأعراض استحال عليه الألم و اللّذة.
أقول: هاتان أيضا صفتان سلبيّتان. و اللّذة
عند بعض المتكلّمين هي الحالة الحاصلة عند تغيّر المزاج إلى الاعتدال، و الألم هي
الحالة الحاصلة عند تغيّر المزاج إلى الفساد.
و عند بعض المعتزلة: إنّ اللّذة هي إدراك متعلّق
الشهوة، و الألم إدراك متعلّق النفرة[1].
و الشهوة هي الميل إلى ما يعتقد أو يظنّ أنّه
ملائم للمزاج، و النفرة هي الهرب عمّا يظنّ أو يعتقد أنّه مناف للمزاج.
و قالت الحكماء: اللّذة إدراك الملائم من حيث هو
ملائم، و الألم إدراك المنافي من حيث هو مناف[2].
إذا تقرّر هذا فنقول: يستحيل عليه الألم و
اللّذة بالتفسير الأوّل لأنّهما ما يتوقّفان على المزاج، و المزاج عرض، لأنّه من
الكيفيّات الملموسة، و كلّ كيفيّة ملموسة عرض، فيكون المزاج عرضا، و الواجب ليس
بعرض فيستحيل عليه الألم و اللّذة. و كذلك يستحيلان عليه بالتفسير الثاني
لتوقّفهما على المزاج أيضا، و هو مستحيل عليه تعالى.
و أمّا على تفسير الحكماء فيمتنع عليه الألم
عندهم، لأنّ ما عدا الواجب معلول لذاته، و العلّة تجامع المعلول في الوجود، و
المنافي لا يجامع ما ينافيه، فامتنع عليه الألم.
و أمّا اللّذة فتنقسم إلى لذّة حسّيّة و إلى
لذّة عقليّة، فاللّذة الحسّيّة هي ما ادركت بأحد الحواسّ العشر[3]، و هي ممتنعة
عليه تعالى، لتوقّفها على المزاج أيضا.
[1]قالت المعتزلة: إنّ المدرك إن كان
متعلّق الشهوة كالحكّة في حقّ الأجرب، كان إدراكه لذّة. و إن كان متعلّق النفرة
كما في حقّ السليم، كان إدراكه ألما. تلخيص المحصّل: 171، إرشاد الطالبين: 233.
[2]قال ابن سينا: إنّ اللّذة إدراك الموافق
و الألم إدراك المنافي. تلخيص المحصّل: 171، 466.
[3]و هي السمع و البصر و الشمّ و الذوق و
اللمس و الحسّ المشترك و الخيال و الوهم و الحافظة و المفكّرة. يأتي ذكرها في صفحة
173.