و إنّما عنون الأوّل بفصل التوحيد- و إن كان
مشتملا على غير ذلك من الصفات السلبيّة و الثبوتيّة- لوجهين:
الأوّل: أنّه تسمية الشيء
بأشرف أجزائه، إذ مسألة التوحيد تستدعي وجود الواجب أوّلا و ثبوت ما يستلزمه من
الصفات، فكانت أشرف مسائله، كما يقال: معجون المسك، و إن اشتمل على غير المسك.
الثّاني: أنّ المبحوث عنه في
ذلك الفصل لمّا لم يكن مستلزما للكثرة، إذ لا صفة له تعالى تزيد على ذاته عندنا،
بل لسلب الكثرة، كان في الحقيقة إثباتا للوحدة المطلقة له تعالى.
[الوجود ضروريّ]
قال: أصل- كلّ من أدرك شيئا لا بدّ أن يدرك
وجوده لأنّه يعلم ضرورة أنّ كلّ مدرك موجود و ما ليس بموجود فهو ليس بمدرك، و إذا
كان وجوده ضروريّا كان مطلق الوجود أيضا ضروريّا، لأنّه جزؤه، و ضروريّة المركّب
تستلزم ضروريّة جزئه.
أقول: إنّما صدّر البحث بالوجود، لأنّ غرضه
ذكر أحكام الوجود من أنّ منه واجبا و منه ممكنا، و أنّ الواجب واحد، إلى غير ذلك
من المباحث الّتي ترد مفصّلة. و الحكم على الشيء بحال من أحواله بدون تصوّر ذلك
الشيء محال، فلا جرم وجب عليه تقديم تعريف الوجود إن كان كسبيّا، أو التنبيه على
أنّه بديهيّ التصوّر إن كان غير كسبيّ. لكن لمّا كان عنده أنّ الوجود بديهيّ
التصوّر سلك الطريقة الثانية و نبّه عليه بما تقريره أن نقول:
إنّا ندرك أشياء بواسطة الحسّ، و كلّ من أدرك
أشياء بواسطة الحسّ أدرك وجودها إدراكا ضروريّا، ينتج: أنّا ندرك وجود أشياء
إدراكا ضروريّا. أمّا الصغرى فظاهرة،