و ثانيهما: العوض، ليخرج بذلك عن
الظلم. و العوض نفع مستحقّ خال عن التعظيم و الإجلال، و لا يجب دوامه و لا يجب
حصوله في الدنيا بل يجوز، فإذا لم يوصل إليه يجب بعثه للإيصال.
الثانية: الألم الصادر عن غيره
تعالى إمّا من مكلّف أو غيره. فإن كان من مكلّف يجب عليه تعالى الانتصاف للمتألّم
من المؤلم، بنقل أعواضه إلى المتألّم لقدرته تعالى و عدله. هذا إذا لم يكن بأمره
تعالى أو إباحته، فإن كان كذلك فعليه تعالى. و إن كان صادرا عن غير مكلّف كالحيوان
الأعجم أو المجنون فالحقّ أنّ العوض عليه تعالى لأنّه بتمكين المؤلم، و بأنّه لم
يخلق له عقلا زاجرا يكون كالمغري، فلو لم يجب العوض عليه لزم الظلم.
و قيل: يكون على المؤلم[1] لقوله عليه
السّلام: «ينتصف للجمّاء[2] من القرناء[3]»[4].
الثالثة: الحساب، قيل: هو إيقاف
اللّه تعالى لعبده على أعماله الصالحة و الطالحة ليعرّفه استحقاق الجزاء على
الصالحة و المؤاخذة على الطالحة. و هو غير متصوّر إلّا في حقّ من له تعقّل و فهم.
فقول المصنّف: «يحاسب الجميع» فيه نظر إذ من الجميع الوحوش و غير المكلّفين، و
اولئك ليس لهم تعقّل. اللّهم إلّا أن يريد بالمحاسبة إيصال حقوقهم إليهم، فيكون
إطلاق لفظ الحساب مجازا.
[ختم و نصيحة]
قال: ختم و نصيحة- حيث وفينا بما وعدنا
به، فلنقطع الكلام على نصيحة: و هي أنّ من نظر بعين عقله في خلقته و شاهد هذه
الحكم في بنيته، يجب عليه أن يعرف
[1]نسبه العلّامة إلى ابن أبي عليّ. كشف
المراد: 262.
[2]الجمّاء: التي لا قرن لها. الصحاح 5:
1891، النهاية لابن الأثير، 1: 300، المصباح المنير 1: 110، لسان العرب 12: