الحكيم لا يفعل إلّا لغرض صحيح، و حينئذ جاز أن
يكون ذلك لمصلحة استأثر اللّه بعلمها. و في قول المصنف: «و كشف الحقيقة للّه»
إيماء إلى هذا الجواب، فيما أظنّه[1].
و أمّا عن الثالث: فبأنّه ممكن، و اللّه
قادر مختار، فدفعه جهل محض و مكابرة لصريح العقل و خروج عن الملّة. هذا مع أنّه قد
وجد أضعاف عمره عليه السّلام، أمّا في حقّ الأشقياء فكالسامريّ و الدجّال، و أمّا
في حقّ السعداء فكنوح عليه السّلام و الخضر.
[الأنبياء و الأئمّة أفضل من كلّ أحد]
قال: تبصرة- لمّا كان الأنبياء و
الأئمّة عليهم السّلام تحتاج إليهم الأمّة، للتعليم و التأديب وجب أن يكونوا أعلم
و أشجع. و لمّا كانوا معصومين وجب أن يكونوا أقرب إلى اللّه تعالى. و لمّا كان
الإمام من رعيّة النبيّ صلى اللّه عليه و آله وجب أن يكون النبيّ صلى اللّه عليه و
آله نسبته في الفضل إلى الإمام كنسبة الإمام إلى الرعيّة.
أقول: في هذه التبصرة مسائل:
الأولى: أنّه يجب كون الأنبياء
و الأئمّة أفضل من كلّ واحد واحد من الأمّة. و المراد بالأفضليّة: أن يكون أجمع
لخصائص الكمال كمّا و كيفا. و إنّما قلنا بوجوب ذلك لأنّ العلّة في وجوب رئاستهم
نقص الرعيّة و احتياجهم إلى التعليم و التأديب. فلو لم يكن المحتاج إليهم أفضل لما
تحقّق معنى حيثيّة الاحتياج إليهم، لكنّ الفرض خلاف ذلك، فيدخل في وجوب كونهم أفضل
من رعاياهم أن يكونوا أعلم و أشجع و أكرم، إلى غير ذلك من الخصائص.
الثانية: أنّه يجب كونهم أقرب
إلى اللّه تعالى، بمعنى أنّهم أكثر ثوابا أو بمعنى أنّهم أكثر حظوة عنده بإرادة
الخير لهم، أو بمعنى أنّهم أكثر استحقاقا لمراتب التعظيم و التبجيل.
[1]إنّ أصحابنا قد أثبتوا أنّ علّة غيبة
صاحب الزمان أرواحنا فداه ليس من اللّه لأنّ ما يجب عليه تعالى عقلا هو خلق
الإمام و تمكينه بالتصرّف و العلم و النصّ عليه باسمه و نسبه، و هذا قد فعله
اللّه. و ليس من ناحية الإمام عليه السّلام لأنّ ما يجب عليه هو تحمّله للإمامة و
قبوله لها، و هذا قد فعله الإمام. فتكون من المكلّفين لأنّ ما يجب عليهم هو
مساعدته و النصرة له و قبول أوامره، و هذا لم يفعله المكلّفون.
و قد ذكروا أنّه بعد إثبات أنّ اللّه حكيم و
الإمام معصوم فلا تخلو غيبته من حكمة، هي إمّا لخوف على نفسه من أعدائه و خوفه على
أوليائه، و إمّا لمصلحة خفيّة استأثر اللّه تعالى بعلمها. تلخيص الشافي 1: 78، 97،
تلخيص المحصّل: 433، كشف المراد: 285، نهج المسترشدين: 70.