و قال أصحابنا: لا يحصل إلّا بالنصّ لا غير[1] و ذلك لأنّ
العصمة شرط في الإمام- كما تقدّم- و هي أمر خفيّ لا يطّلع عليه إلّا علّام الغيوب.
و إنّما قلنا ذلك لأنّ صلاح الظاهر غير كاف في العصمة بل لا بدّ مع ذلك من صلاح
الباطن لأنّ الأعمال في عرضة الرّياء و السّمعة و النّفاق، فلو لا النصّ على
العصمة لم يكن لنا طريق إلى معرفتها.
ثمّ النصّ قد يكون من اللّه تعالى، و هو قسمان:
أحدهما قوليّ، و هو اللفظ الدالّ على المراد
دلالة ظاهرة بذاته و هو الجليّ، أولا بذاته بل مع ضمّ مقدّمة أخرى أو مقدّمات و هو
الخفيّ.
و ثانيهما فعليّ، و هو خلق المعجز على يده عقيب
دعواه.
و قد يكون من الرسول صلى اللّه عليه و آله أو من
إمام قبله. و هو قوليّ ينقسم إلى قسميه المذكورين، و فعليّ كأفعال تشعر إشعارا
ظاهرا بالدلالة على المعنى.
[الطريق إلى تعيين الإمام]
قال: مقدّمة- لمّا ثبت أنّ العصر لم يخل من إمام
معصوم، فكلّ أمر اتّفق عليه الأمّة في عصر ممّا لا يخالف العقل كان حقّا، فإجماع
الأمّة حقّ.
أقول: إنّما ذكر المصنّف هذه المسألة هنا لأنّها
أحد مقدّمات الدليل الآتي. و إجماع الأمّة عبارة عن اتّفاق العلماء من أمّة محمّد
صلى اللّه عليه و آله على أمر من الامور[2]. و لم يخالف في كونه
حجّة أحد إلّا النّظّام[3].
و استدلّ الجمهور على [حجّيّته][4] بقوله عليه
السّلام: «لا تجتمع أمّتي على خطأ»[5]. و أمّا
[1]أوائل المقالات: 74، الذخيرة في علم
الكلام: 437، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ: 35، كشف المراد: 288.
[2]الإجماع هو الاتّفاق في عصر على أمر من
الامور من جميع من هو أهله. و في اصطلاح الاصوليّين: اتّفاق خاصّ، و هو اتّفاق
العلماء من أمّة محمّد. و عرّفه ابن حزم بأنّه ما تيقّن أنّ جميع أصحاب رسول اللّه
صلى اللّه عليه و آله عرّفوه و قالوا به، و لم يختلف منهم أحد.
و اتّفق أكثر المسلمين على أنّ الإجماع حجّة
شرعيّة يجب العمل به على كلّ مسلم، خلافا للنّظّام من المعتزلة. رسائل الشريف
المرتضى (المجموعة الثانية): 262، المحلّى لابن حزم 1: 54، الإحكام في اصول
الأحكام: 170، مفتاح الباب في شرح الباب الحادي عشر: 71، كشّاف اصطلاحات الفنون 1:
239.
[3]إبراهيم بن سيّار بن هاني البصريّ، أبو
إسحاق النّظّام، من أئمّة المعتزلة. انفرد بآراء خاصّة، تابعته فيها فرقة من
المعتزلة سمّيت «النظّامية». لسان الميزان 1: 67، الأعلام للزركليّ 1:
43.