و الثاني و هو المخالف للعقل
فنقول: إذا تعارض العقل و النقل فلا يجوز العمل بهما و إلّا لزم الجمع بين النقيضين،
و لا ترك العمل بهما و إلّا لارتفع النقيضان، و لا العمل بالنقل و اطراح العقل و
إلّا لزم اطراح النقل أيضا لأنّ العقل أصل للنقل لأنّه منتة إلى قول الرسول
الثابت صدقه بالعقل، فيكون أصلا له فلم يبق إلّا العكس، و هو العمل بالعقل. و أمّا
النقل فلا يطرح بل للعلماء في ذلك مذهبان:
أحدهما: أن يتوقّف فيه إلى أن
يظهر سرّه أو يفوّض علمه إلى اللّه تعالى.
و ثانيهما: أن يؤوّل تأويلا لا
ينكره العقل، كقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[1] فإنّ العقل
يمنع ظاهر اليد لامتناع الحاسّة عليه تعالى، و الغرض أنّ النقل صحيح فحملنا اليد
على القدرة، و ذلك لا ينكره العقل.
[شريعة نبيّنا صلى اللّه عليه و آله ناسخة
لجميع الشرائع]
الثالثة: أنّ شريعة نبيّنا
محمّد صلى اللّه عليه و آله ناسخة لجميع ما تقدّمها من الشرائع. و النّسخ هو رفع
حكم شرعيّ بدليل آخر شرعيّ متراخ عنه، على وجه لو لا الثاني لبقي الأوّل. و ذلك
جائز عقلا لأنّ الأحكام شرّعت لمصلحة العبيد، و المصلحة قد تتغيّر فيتغيّر الحكم
التابع لها، كالمريض الذي تتغيّر معالجته بحسب تغيّر الأمراض المعتورة عليه. و
واقع نقلا، فإنّ الشرائع تشتمل على أحكام كثيرة فيها ناسخ و منسوخ. هذا و قد جاء
في التوراة أحكام كثيرة دخلها النّسخ يطول الكلام بذكرها، فبطل قول اليهود لعنهم
اللّه بعدم جوازه. و مع ذلك كلّه لمّا ثبتت نبوّة محمّد صلى اللّه عليه و آله
بالأدلّة المذكورة و لا شكّ أنّ ذلك يستلزم نسخ جميع ما تقدّمها فيكون كذلك، و هو
المطلوب.
[شريعة نبيّنا صلى اللّه عليه و آله باقية
ببقاء الدنيا]
الرابعة: أنّ شريعة نبيّنا
محمّد صلى اللّه عليه و آله باقية ببقاء الدنيا لا يتطرّق النسخ إلى جملتها بشريعة
غيرها لقوله تعالى: وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ[2].
و قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا نبيّ بعدي»[3]. و لإجماع
المسلمين على ذلك.