أسهل عليهم لأنّهم أهل الكلام و الفصاحة
المفرطة. فعدولهم إلى الأشقّ مع إفادة الأسهل دليل ظاهر على عجزهم إذ العاقل لا
يختار ذلك حال قدرته و اختياره. هذا مع أنّه إلى الآن لم يقدر أحد من الفصحاء و
البلغاء على تركيب كلمات على منواله أو على ما يقاربه، فيكون معجزة، و ذلك هو
المطلوب.
[علّة إعجاز القرآن]
فائدة: اختلف في علّة إعجاز القرآن، قيل:
للصّرفة. بمعنى أنّ اللّه تعالى سلب قدرة العرب أو علومهم أو دواعيهم عن الإتيان
بمثله.
و قيل: لأنّه اسلوب خاصّ غير معهود لهم.
و قيل: لفصاحته البالغة.
و قيل: لاشتماله على الفصاحة و البلاغة و العلوم
الشريفة. و هو الحقّ[1] و تحقيق ذلك
[1]اعلم أنّه لمّا كان القرآن الكريم هو
المعجزة الخاصّة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و آية رسالته الباقية- و إن
كان قد أيّده اللّه تعالى أيضا بغيره من المعجزات و الأعلام الظاهرات- اهتمّ
المسلمون من الصدر الأوّل بالبحث عما يتعلّق به. و من مهمّات ذلك البحث عن وجه
إعجازه و أنّه هل هو فصاحته الخارقة العادة؟ أو بلاغة معانيه؟ أو نظمه الخارج عن
معهود النظم في كلام سائر البلغاء؟ أو عدم وقوع اختلاف و مناقضة فيه؟
و من الأقوال المعروفة في وجه إعجازه، القول
بالصّرفة الذي اختاره جمع من المتكلّمين. و قد ذكروا في تفسيره احتمالات:
الأوّل: أنّ المراد به أنّ اللّه صرف دواعي
أهل اللسان عن معارضته مع حصول تلك الدواعي لهم. و هو اختيار المفيد حيث قال: إنّ
جهة إعجاز القرآن هو الصّرف من اللّه تعالى لأهل الفصاحة و اللسان عن معارضة
النبيّ صلى اللّه عليه و آله بمثله في النظام عند تحدّيه لهم، و جعل انصرافهم عن
الإتيان بمثله- و إن كان في مقدورهم- دليلا على نبوّته. أوائل المقالات: 68.
الثاني: أنّ اللّه تعالى سلب عنهم العلوم التي
كانوا يتمكّنون بها عن معارضة القرآن و يتأتّى لهم الفصاحة المماثلة لفصاحته. و
هذا هو الذي اختاره السيّد المرتضى، قال: إنّ وجه دلالة القرآن على النبوّة أنّ
اللّه تعالى صرف العرب عن معارضته، و سلبهم العلم الذي به يتمكّنون من مماثلة في
نظمه و فصاحته، و لو لا هذا الصرف لعارضوا. و إلى هذا الوجه أذهب، و له نصرت في
كتابي المعروف ب «الموضح عن جهة إعجاز القرآن». الذخيرة في علم الكلام: 378.
و قال الشيخ الطوسيّ: إنّ جهة إعجازه اختصاصه
بالعلوم التي يأتي منه بها هذه الفصاحة. الاقتصاد، للشيخ الطوسيّ:
156. و قال العلّامة الحلّيّ: إنّ جهة إعجازه
هو الفصاحة و الاسلوب معا. كشف المراد: 281.
و قال كمال الدين ميثم: الحقّ أنّ وجه الإعجاز
هو مجموع الامور الثلاثة، و هي: الفصاحة البالغة، و الاسلوب، و الاشتمال على
العلوم الشريفة. قواعد المرام في علم الكلام: 132.
و قد ذكروا في وجه إعجاز القرآن امورا آخر،
كخلوّه من التناقض، و عدم الاختلاف فيه، و تأثيره في النفوس، و إخباره بالمغيبات،
و اشتماله على العلوم التي لا يبلغ إليها الأفراد العاديّة. و يمكن أن يكون جميع
ذلك أوجها لإعجاز القرآن الكريم.