عرّف معنى الفكر في اصطلاح العلماء، و هو الحركة
من المطالب إلى المبادي ثمّ الرجوع من المبادي إلى المطالب. و لا يمكن أن يصل من
مرتبة النقصان إلى الكمال إلّا بالسير، و لذلك كان النظر أوّل الواجبات، و جاء
الحثّ عليه في التنزيل و الحديث[1]. و مبادي السير التي منها ابتداء الحركة
هي الآفاق و الأنفس. و السير هو الاستدلال من آياتهما، و هي الحكم المودعة في كلّ
ذرّة من ذرّات هذين الكونين الدالّ على عظمة المبدع و كماله. و يظهر ذلك لمن نظر
في تشريح العالمين: الآفاقيّ و الأنفسيّ، و الفلكيّ و العنصريّ، قال تعالى:
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُ[2].
ثم يستشهد من حضرة جلاله على كلّ ما سواه من
مبدعاته، كما قال اللّه تعالى: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[3].
[الخوف و الحزن]
الثالث: الخوف و الحزن. قال العلماء: الحزن
على ما فات، و الخوف على ما لم يأت.
فالحزن تألّم الباطن بسبب وقوع مكروه يتعذّر
دفعه أو فوات فرصة أو أمر مرغوب فيه يتعذّر تلافيه. و الخوف تألّم الباطن بسبب
وقوع مكروه يمكن حصول أسبابه أو توقّع فوات مرغوب يتعذّر تلافيه. و لا يخلوان من
فائدة في باب السلوك فإنّ الحزن إذا كان سببه ارتكاب المعاصي أو فوات مدّة (عاطلة
عن العبادة)[4] أو عن ترك السير في الطريق إلى الكمال صار باعثا له على
تصميم العزم على التوبة. و الخوف إن كان سببه ارتكاب المعاصي فيه و نقصانه و عدم
وصوله إلى درجة الأبرار صار موجبا لاجتهاده في اكتساب
[1]حثّ الكتاب العزيز على النظر و التدبّر
في آيات اللّه بتعابير مختلفة، فتارة أمر بالنظر إلى ملكوت السماوات و الأرض
(الأعراف/ 185)، و أخرى بالنظر إلى بعض الموجودات كالإبل و السماء، (الغاشية: 17).
و ثالثة بالنظر إلى أنفسهم. (الروم/ 8).
كما جاء الحثّ الأكيد في السّنّة أيضا على
التفكّر، و أنّه أفضل العبادة، منها:
قال عليّ عليه السّلام: «لا عبادة كالتفكّر في
صنعة اللّه عزّ و جلّ». أمالي الطوسيّ: 146/ الحديث 240، البحار 71: 324، سفينة
البحار 2: 382.
و قال الإمام الرضا عليه السّلام: «ليس
العبادة كثرة الصيام و الصلاة، إنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر اللّه». الكافي
2: 55/ الحديث 4، سفينة البحار 2: 382.