العالم، فإنّ ذلك مفتقر إلى تحقيق أنظار و تسديد
أفكار، فعاند ذلك الجاهل و رأى إصرار موسى عليه السّلام على ذكر الصفات و هو يطلب
الجواب عن الذات، فقال منهمكا في جهله و متهكّما في قوله: إِنَّ رَسُولَكُمُ
الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ[1]! فإنّي أسأله ب «ما
هو»؟
فيجيبني بما يقع جوابا ل «أيّ». فأبلغ عليه
السّلام في جوابه متّبعا للأمر الإلهيّ باللّين في خطابه رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[2]. إنّ حقيقته
غير ممكنة المعلوميّة[3]، لأنّ تجرّدها و بساطتها يمنعان من إمكان
تحديدها.
الرابعة: المعلوم لنا في هذا
المقام من معرفة الذات ليس إلّا أنّها موجودة، و من الصفات ليس إلّا السلوب ككونه
ليس بجسم و لا عرض، و الإضافات ككونه قادرا و عالما، و الإضافات و السلب ككونه
موجدا للعالم لا سواه. و مع ذلك فنحن نخشى أن نثبت له بذلك صفة حقيقيّة تزيد على
ذاته فإنّ ذلك مناف لكماله، و إلّا لكان مفتقرا إلى تلك الصفة بل كمال الإخلاص له
نفي الصفات عنه، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه
فقد جزّأه، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
قال: و من أراد الارتقاء عن هذا المقام،
ينبغي أن يحقّق[4] أنّ وراءه شيئا هو أعلى من هذا المرام، فلا يقصر همّته على
ما أدركه، و لا يشغل عقله الذي ملكه بمعرفة الكثرة التي هي أمارة العدم، و لا يقف
عند زخارفها التي هي مزلّة القدم، بل يقطع عن نفسه العلائق البدنيّة، و يزيل عن
خاطره الموانع الدنيويّة، و يضعف حواسّه و قواه، التي بها يدرك الامور الفانية، و
يحبس بالرياضة نفسه الأمّارة بالسوء التي تثير التخيّلات الواهية، و يوجّه همّته
بكلّيّتها إلى عالم القدس، و يقصر أمنيّته على نيل محلّ الرّوح و الانس.
[طريق الأولياء في معرفة اللّه تعالى
«السلوك»]
أقول: لمّا ذكر معرفة اللّه تعالى و الطريق
إليها على قاعدة أهل البحث و النظر، الذين