نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين نویسنده : ابن الأنباري جلد : 1 صفحه : 323
أراد «بلهفا» فحذف الألف اجتزاء بالفتحة عنها،
فكذلك هاهنا: حذف الواو من «ذو» اجتزاء بالضمة عنها، و صيّرا كلمة واحدة، و إذا
كانا مركبتين من من و ذو [170] التي بمعنى الذي؛ فالذي اسم موصول يفتقر إلى صلة و
عائد، و الصلة لا تخلو: إما أن تكون من مبتدأ و خبر، أو فعل و فاعل، فإذا قلت: «ما
رأيته مذ يومان» أو «منذ ليلتان» فالتقدير فيه: ما رأيته من الذي هو يومان، فحذف
«هو» الذي هو المبتدأ، و بقي الخبر الذي هو يومان، و حذف المبتدأ من الاسم الموصول
جائز كقولك: «الذي أخوك زيد» أي: الذي هو أخوك زيد، و الذي يدل على جوازه قولهم:
«ما أنا بالذي قائل لك شيئا» أي: ما أنا بالذي أنا[1] قائل لك
شيئا، و هذا كثير في كلامهم، فأما إذا كان الاسم بعدهما مخفوضا فهو مخفوض بمن؛ و
لهذا إذا ظهرت النون في منذ كان الاختيار الخفض، و إذا لم تظهر كان الاختيار
الرفع.
و أما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا
إنه مرفوع ما بعدهما لأنه خبر عنهما، و ذلك لأن مذ و منذ معناهما الأمد، ألا ترى
أن التقدير في قولك: «ما رأيته مذ يومان، و منذ ليلتان» أي: أمد انقطاع الرؤية يومان،
و أمد انقطاع الرؤية ليلتان، و الأمد في موضع رفع بالابتداء؛ فكذلك ما قام مقامه،
و إذا ثبت أنهما مرفوعان بالابتداء وجب أن يكون ما بعدهما خبرا عنهما، و إنما بنيا
لتضمنهما معنى من و إلى، ألا ترى أنك إذا قلت: «ما رأيته مذ يومان، و منذ ليلتان»
كان معناه: ما رأيته من أول هذا الوقت إلى آخره، و بنيت مذ على السكون لأنه الأصل
في البناء، و بنيت منذ على الضم لأنه لما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين حركت
بالضم؛ لأن من كلامهم أن يتبعوا الضم الضم، كما قالوا: «ردّ يا فتى»، و الشواهد
على ذلك كثيرة جدا، و قد ذكرنا ذلك في مواضعه؛ فلا يفتقر إلى ذكره هاهنا.
و أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم
«إنهما مركبتان من من و إذ» قلنا: لا نسلم، و أيّ دليل يدل على ذلك؟ و هل يمكن
الوقوف عليه إلا بوحي أو تنزيل؟ و ليس إلى ذلك سبيل!.
- بهذا البيت قوله «بلهف» فإن أصل الكلام: بقولي
يا لهفا، على أن اللهف مضاف إلى ياء المتكلم ثم قلبت الكسرة التي قبل ياء المتكلم
فتحة و قلبت الياء ألفا، ثم حذف هذه الألف المنقلبة عن ياء المتكلم مجتزئا بالفتحة
التي قبلها لأنها ترشد إليها و تدل عليها، على نحو ما ذكرناه في الشواهد السابقة.
[1] لو جعل تقديره «ما أنا بالذي هو قائل لك
شيئا» لكان أحسن، و المثال يروى في كتب النحاة «ما أنا بالذي قائل لك سوءا» و انظر
ص 324 الآتية.
نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين نویسنده : ابن الأنباري جلد : 1 صفحه : 323