بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِمن أولئك النوابغ المبكرين في علم الفقه
الحسن بن أبي عقيل العماني قدس سره الذي جمع في فقهه بين التقيد التام بنص القرآن
الكريم و الحديث الشريف و بين تأصيل أصول الفقه و تنظيم فروعه.
سجل التأريخ هذه الحقيقة باختصار و اقتضاب و قال إن هذه العبقرية من
فقيهنا العماني كانت محل اعتراف و تقدير من الحواضر العلمية و عامة الناس في عصره،
و إن جعفر بن محمد بن قولويه كبير علماء قم و أستاذ الشيخ المفيد العالم البغدادي
المشهور كتب إلى ابن أبي عقيل في عمان يستجيزه رواية كتبه و علمه فأجازه، و كان
جعفر يعتز بهذه الإجازة.
و قد بلغ من تقدير الناس و ثقتهم بابن أبي عقيل أن قوافل الحاج عند
ما تصل إلى المدينة المنورة كانت تطلب من المكتبات و النساخ كتابة نسخ من فقه ابن
أبي عقيل لكي تؤدي مناسك حجها على طبقه، و تحمل نسخة إلى بلادها ليعمل الناس
بفتاواه هذه الميزة الكبرى لشخصية ابن أبي عقيل احتفظ بها التأريخ في كتب رجال
الحديث و تراجم العلماء و احتفظ معها بنتف يسيرة من أبعاد شخصيته الأخرى.
لقد كان بعد داره عن الحواضر العلمية سببا في ذلك، و لكن عوادي الدهر
على العلماء و حرية الفكر كانت السبب الأساسي.
و من طرائف الأمور أن كتاب ابن أبي عقيل، الذي نجا في أحداث عصره من
الضياع، و اشتهر منذ حياة صاحبه، و أخذ مكانه المحترم قرونا في أيدي الناس و
مكتبات الفقهاء، عادت أحداث الزمان فأضاعت نسخته و أفقدتنا هذه الثروة في الفقه
الإسلامي على مذهب أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله.