نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 446
جوهر الوجود، و لو كانت الآخرة من جوهر الدنيا لم يصح أن الدنيا
تخرب، لأن الدنيا إنما هي دنيا بالجوهر و نحو الوجود، لا بالتخصصات الشخصية و
الامتيازات العينية، و إلا كل يوم دنيا أخرى، لتبدل الأشكال و الهيئات و المشخصات،
و لكان القول بالآخرة تناسخا، و لكان المعاد عبارة عن عمارة الدنيا بعد خرابها.
و إجماع العقلاء منعقد على أن الدنيا تضمحل و تفنى، ثم لا تعود و لا
تعمر أبدا.
و أكثر أهل الظاهر و العباد و الزهاد، منهم من غير معرفة حقة إلهية
يتصورون لذات الجنة و نعيمها من جنس نعيم الدنيا و لذاتها، إلا أن تلك عندهم، ألذ،
و أدوم، و لهذا يطلبونها في عبادتهم و يكون هي غاية حركاتهم النسكية و باعث صلاتهم
و صومهم و احتبائهم عن هذه اللذات الفانية لتصلوا إلى أدوم ما يتصورونه لذة و
نعيما و أبقاه، فهم بالحقيقة من طلاب الدنيا على وجه آكد و أشد من المكبين على هذه
الشهوات الفانية، و عند أنفسهم أنهم في طلب مرضاة الله و التقرب إليه.
و إذا ثبت و تحقق أن الدنيا و الآخرة متخلفان في الجوهر الوجود غير
منسلكين في سلك واحد، فلا وجه لطلب المكان للآخرة و أنها في أي جانب من هذا
العالم.
و صاحب الذوق يتفطن بهذا المعنى من اسم الدار، و كفاه صارفا عن ذلك،
فإن الدار هي المكان و المكان لا يكون له مكان.
وهم و إزاحة
بقي أن يقال إن إثبات المكان للجنة و النار مذكور في لسان الشريعة
فكيف يمكن إنكاره لهما؟
و نحن قبل الخوض في الجواب نمهد مقدمة هي، أن بعض المعاني قد يكون
حقيقية و قد يكون نسبية، كالبياض مثلا، فإن الحقيقي منه لا يختلف في الخواص و الأحكام،
و لا يقبل الأشد و الأضعف، بخلاف الإضافي منه، فإنه قد توجد فيه أحكام تخالف
أحكامه الخاصة به عند كونه حقيقيا، كتفريق البصر و غيره من حيثية أخرى غير حيثية
كونه بياضا، و كالعالي و السافل، إذ كل منهما يقابل الآخر إذا كان حقيقيا. و إذا
كان نسبيا فقط، فكل منهما يتصف بمقابله من جهة أخرى. فإذا تمهدت هذه المقدمة نقول:
قولنا: الجنة و النار لا يكون لهما مكان من هذه الدار، المراد به أنهما عند كونهما
حقيقيين لا يكونان كذلك، و أما إذا كانتا إضافيتين أو كانتا بحسب بعض نشئاتهما
الجزئية، فيمكن إثبات المكان لهما من جهة أخرى غير كونهما جنة و نارا حقيقيتين.
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 446