الحدود موضع الفصول
الحقيقيّة، لصعوبة الحصول على الفصول الحقيقيّة التي تقوّم الأنواع، أو لعدم وجود
اسم دالّ عليها بالمطابقة في اللغة؛ كالناطق المأخوذ فصلا للإنسان؛ فإنّ المراد
بالنطق، إمّا التكلّم، و هو بوجه من الكيفيّات المسموعة 3، و إمّا إدراك
الكلّيّات، و هو عندهم من الكيفيّات النفسانيّة 4، و الكيفيّة كيفما كانت من
الأعراض، و الأعراض لا تقوّم الجواهر. 5
هو الجزء المختصّ
بالماهيّة.
3- قوله قدّس سرّه:
«إمّا التكلّم و هو بوجه من الكيفيّات المسموعة»
فإنّ التكلّم هو إيجاد
الكلام، و الإيجاد و الوجود متّحدان ذاتا، فالتكلّم هو نفس الكلام.
و الكلام صوت معتمد على
مخارج الفم مفيد للمعنى تامّ. و الصوت عند جمهور القدماء: كيفيّة مسموعة قائمة
بالهواء، سببها تموّج الهواء الحاصل من قلع عنيف أو قرع عنيف؛ و عن بعضهم:
إنّ التموّج الحاصل من
القرع أو القلع إذا وصل إلى الهواء المجاور للصماخ حدث في هذا الهواء بسبب تموّجه
الصوت، و لا وجود له في الهواء المتموّج الخارج عن الصماخ. و على أيّ القولين هو
كيف مسموع (راجع كشّاف اصطلاحات الفنون «الصوت» ص 811- 812).
و لكن للمتأخّرين من علماء
الطبيعة تشكيك في كون الصوت موجودا في الخارج كما هو عند الحسّ. و لعلّه لأجل هذا
زاد قوله «بوجه». و على قولهم يكون المتيقّن من الصوت هي الكيفيّة الحاصلة للسمع
عند تأثّر الصّماخ و الأعصاب و المخّ بالارتعاشات الخاصّة، فيكون الكلام من
الكيفيّات النفسانيّة.
قوله قدّس سرّه: «و هو
بوجه من الكيفيّات المسموعة»
إن قلت: لم لا يعدّونه من
الفعل؟
قلت: الفعل هو هيأة حاصلة
للمؤثّر من تأثيره التدريجيّ و التكلّم ليس يراد به تأثير الإنسان تدريجا في
الهواء المجاور و جعله صوتا إذ الهواء ليس هو الصوت.
4- قوله قدّس سرّه: «و
إمّا إدراك الكلّيّات، و هو عندهم من الكيفيّات النفسانيّة»
و أما عند أفلاطون فهي
المثل و هي الجواهر المجرّدة المسمّاة بالعقول العرضيّة، و عند المحقّق السبزوارى
قدّس سرّه وجود، و الوجود ليس ماهيّة.
5- قوله قدّس سرّه: «و
الأعراض لا تقوّم الجواهر»
إذ المقوّم، و هو هنا
الفصل، هو نفس النوع. فقد مرّ في الفصل السابق أن الفصل هو النوع متحصّلا و الجنس
هو النوع مبهما. فلو كان المقوّم عرضا و النوع جوهرا لزم كون العرض هو الجوهر و
هما متباينان بتمام الذات.