قد اتّضح من الأبحاث
السابقة أنّ الوجوب و الإمكان و الامتناع كيفيّات للنسب في القضايا، لا تخلو عن
واحد منها قضيّة؛ و أنّ الوجوب و الإمكان أمران وجوديّان؛ لمطابقة القضايا
الموجّهة بهما 1- بما أنّها موجّهة بهما- للخارج، مطابقة تامّة.
فهما موجودان في الخارج
2، لكن بوجود موضوعيهما، لا بوجود منحاز مستقلّ. فهما من
1- قوله قدّس سرّه:
«لمطابقة القضايا الموجّهة بهما»
يعني: القضايا الموجبة
الصادقة الموجّهة بهما.
قوله قدّس سرّه: «لمطابقة
القضايا الموجّهة بهما»
بيان آخر على وجود الإمكان
و الوجوب في الخارج، يغاير ما مرّ في الفصل الأوّل. فإنّ في الفصل الأوّل عدّ وجود
الوجوب في الخارج أمرا مفروغا عنه بديهيّا، و أثبت وجود الإمكان في الخارج بأنّه
ارتفاع الضرورة، و لمّا كانت الضرورة في الأعيان، فارتفاعها أيضا في الأعيان، فالإمكان
موجود في الخارج شأن الأعدام المضافة التي يعتبر العقل اللّاواقعية واقعيّة لها.
و أمّا ههنا فاستدلّ على
وجود الوجوب و الإمكان كليهما في الخارج بمثل ما استدلّ به على وجود النسبة في
الخارج.
و حاصله: أنّ هناك قضايا
موجبة من الهليّات البسيطة موجّهة بهما، تكون صادقة، و صدق القضيّة مطابقتها
للخارج، فيعلم أنّ في الخارج موضوعا، و محمولا، و نسبة، و كيفيّة للنسبة، هو
الوجوب أو الإمكان. و إلّا لم تكن تلك القضايا صادقة بما أنّها موجّهة.
ثمّ لا يخفى عليك: أنّ
موجوديّة الوجوب و الإمكان ليست على حدّ سواء، فإنّ الوجوب أمر ثبوتيّ فوجوده في
الخارج حقيقيّ. و أمّا الإمكان فهو أمر عدميّ لا وجود له إلّا باعتبار العقل،
كالعمى و الجهل.