السفر الأوّل: ان هاجر لما
غضبت على سارة تراءى لها ملك للّه تعالى، فقال:
يا هاجر أين تريدين؟ و من
أين أقبلت؟ قالت: أهرب من سيّدتي سارة. فقال لها: ارجعي إلى سيّدتك و اخضعي لها،
فانّ اللّه سيكثر زرعك و ذريتك، و ستحبلين و تلدين ابنا و تسمّيه إسماعيل من أجل
أنّ اللّه تعالى سمع تبتلك و خشوعك، و هو يكون عين الناس، و يكون يده فوق يد
الجميع، و يد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع، و هو يسكن على تخوم أرض جميع أخوته»[1] و هكذا نقل ابن رباء الطبريّ، و في
بعض النسخ ابن ربّن الطبيب.
قال الشيخ أبو الحسين:
«فسمعت بعض اليهود ينقل كذلك: «و تكون يده في الكلّ و يد الكلّ فيه»، قال: لأنّ
الموجود في العبراني: «باذبكول و باذكول» و زعم أنّ هذا الباب يحتمل أنّ يده
متصرّفة في الكلّ، و يحتمل أنّ يده في الكلّ بمعنى أنه يكون مخالطا للكلّ»[2]
و وجه الاستدلال بهذا
الكلام أنّه خرج مخرج البشارة، و ليس يجوز أن يبشّر الملك من قبل اللّه تعالى
بالظلم و الجور و بأمر لا يتمّ إلّا بالكذب على اللّه سبحانه.
و معلوم أنّ إسماعيل و
ولده لم يكونوا منصرفين في الكلّ، أعني في معظم الدنيا و معظم الامم، و لم يكونوا
مخالطين للكلّ و ممازجين لهم و أيديهم معهم و أيدى الكلّ معهم إلّا بالإسلام،
لأنّهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية، لا يتجاسرون على الدخول فى أوائل
العرب و أوائل الشام إلّا على خوف تام
فلمّا جاء الإسلام استولوا
على الشرق و الغرب بالإسلام و مازجوا الأمم و وطنوا بلادهم، و مازجتهم الامم و خالطوهم
و قصدوهم و حجّوا قبلتهم و دخلوا إلى باديتهم، لمجاورة الكعبة و لأخذ معالم الدين
من المدينة أو مكّة.
[1] العهد القديم، سفر
التكوين، الاصحاح السادس عشر. المطبعة الامريكية، بيروت، 1933.