و كلّ هذا غير متأت في
الغائب، لأنّه جلّ و عزّ ليس بجسم و لا مرئي على الصحيح من المذهب، و التكليف يمنع
من الاضطرار إلى قصده فكيف يبعث الرسول، فإن قلتم: بأن ينزل به ملكا قلنا: و كيف
ينزل الملك و الملك كيف يعلم أنّ اللّه تعالى بعثه إلى الرسول، و الرسول بما ذا
يعلم صدق الملك و أحدنا كيف يعلم صدق الرسول؟
قلنا: قد نبهنا على كيفية
البعثة عند القول في كلامه تعالى و كونه متكلّما حيث ذكرنا الطريق إلى معرفة كلامه
عزّ و جلّ فنعيده هاهنا و نزيد فيه و نقول:
البعثة ممكنة متصوّرة بأحد
وجهين.
إمّا بأن يخلق اللّه تعالى
كلاما في محلّ يتضمّن أنّ اللّه يبعث الشخص الذي يرسله إلى الخلق و يأمره بأن
يؤدّي إليهم ما يوجبه إليه و يقرن إلى ذلك الكلام علما معجزا يدلّ على صدقه كما
فعل بموسى- عليه السلام- في ابتداء أمره على ما حكاه تعالى في قوله «نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ
الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ
الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ»[1].
و إمّا بأن يظهر كتابة
تتضمّن هذا المعنى بحيث يراها ذلك الرسول و يشاهدها و يقرن إليها علما معجزا يدلّ
على صدق ما تضمنته. و هذا على ما ثبت في حقّ جبرئيل عليه السلام أنه كان ينظر في
اللوح المحفوظ و يشاهد ما يظهر عليه من الكتابة و يفهم معناها ثمّ كان يؤدّي ما
فهم منها إلى الرسول.
و كلّ هذا ممكن مقدور له
تعالى لا استحالة فيه، و أمّا صدق الملك فانّما يعلمه الرسول بالعلم المعجز الذي
يظهر على الملك، و أحدنا إنما يعلم صدق الرسول بالمعجز أيضا. و ذلك لأنّه لا طريق
إلى معرفة صدق الرسل، إلّا المعجز او ما يستند إلى المعجز.