انّ المرجع بذلك إلى
الدواعي. و لو كان الأمر على ما ذكرتموه لما جاز اختلاف المكلّفين في ذلك، و قد
علمنا اختلافهم فيه، كالمقيم و المسافر و الحائض و الطاهر، و كما علمنا من مخالفة
شرعنا الشرائع الامم السالفة.
قلنا: غرضنا بما أوردناه
أن نبيّن أن ما يدعو بعض الناس إلى شيء يجوز أن يدعو سائرهم إليه، و أن كون شيء
واحد داعيا لجميعهم لا يجرى مجرى اجتماعهم على التزيّي بزيّ واحد و تناول طعام
مخصوص اتفاقا من غير جامع، و لم نوجب فيما يدعو بعض النّاس إلى شيء أن يدعو
سائرهم إليه، و لا فيما يدعو في بعض الأوقات أن يدعوا في سائرها، بل نجوّز
الاختلاف في ذلك، لاختلاف الطبائع و العادات، الا ترى أن من الناس من يصحله اللطف
و منهم من لا يصلحه إلّا العنف. و كذلك القول في الصحّة و المرض و الغنى و الفقر و
حصول اللطف فيها، و قد تكون هذه الأمور لطفا في وقت دون وقت آخر.
فإن قيل: كيف تقولون هذه
الشرعيّات مصالح و ألطاف لنا و المرجع بالمصلحة و اللطف إلى الدواعي و ما يقوّيها
و الداعي هو ما عليه القادر الفاعل من كونه عالما و معتقدا أو ظانّا، و الصلاة و
غيرها من الشرعيّات ليست من قبيل هذه الأحوال، فكيف تعدونه ألطافا.
قلنا: الغرض بذلك أنّ علم
الفاعل بأداء هذه العبادات و الشرعيّات أفعالا و تروكا يدعوه و يصرفه، فلا يبعد أن
تعدّ هذه الشرعيّات ألطافا، لأنّ ما لا يتمّ اللطف إلّا به لا يمتنع أن يعدّ لطفا
كما يقال: إن حسن الفعل و حصول النفع فيه داع إليه، و حصول الضرر فيه صارف عنه، و
المقصود منه أنّ علم الفاعل بذلك من حال الفعل أو اعتقاده أو ظنّه يدعوه و يصرفه.
فإن قيل: كيف يصحّ ادّعاء
أن العلم بأداء هذه الشرعيّات داع لنا إلى الواجبات العقليّة و صارف عن مقبّحاتها
و من شأن الداعي و الصارف أن يجدهما القادر من نفسه حتى إذا فعل فعلا، لمكان داع
فانّه يجد من نفسه أنّه إنما