قد حدّ العالم بحدود لا
تصحّ، فالأولى أن لا يحدّ العالم و العلم فمن جملة ما حدّ العالم به أن قيل: «هو
الذي يصحّ منه إحكام الفعل محقّقا أو مقدّرا، أو المختصّ بحال لأجلها يصحّ منه
إحكام الفعل محقّقا أو مقدّرا». و هذا لا يصحّ.
و ذلك لأنّ في العالمين من
لا يصحّ منه إحكام شيء لمكان كونه عالما، و ذلك كالعالم بذاته و توحيده، و عدله،
فإنّه لا شكّ في أنّه لا يتأتّى من هذا العالم- لعلمه هذا- إحكام شيء البتة. و
كذا العالم بالمفردات التي يتأتّى فيها الإحكام لا يتأتّى منه إحكام تلك المفردات
لعلمه بها، و إنّما يصحّ إحكامها منه إذا علم كيفية ترتيبها، فعلم أنّ من العالمين
من لا يصحّ منه الإحكام و بذلك ينتقض الحدّ.
و قد قيل: «العالم من له
علم»، و هذا أيضا لا يصحّ، لأنّه إذا سئل عن العلم وحده يقول: هو ما يوجب كون من
قام به عالما. و هذا على ما ترى تحديد كلّ واحد من اللّفظين بصاحبه، ثمّ و من
العلمين من هو عالم لا يعلم فينتقض به هذا الحدّ.
فظهر أنّ الأولى أن لا
يحدّ العالم و العلم و يحال المرء على ما يجده من نفسه من ثقته بالمشاهدات و بما
علمه استدلالا مع صحّة دليله عنده، فإنّه يفرّق بين حالته تلك و بين اعتقاده شيئا
تقليدا أو تبحيثا، و كذا يفصل بينها و بين ظنّه بشيء عند أمارته فالعالميّة مثل
هذه الحالية.