الشهوة المتعلّقة بها
فيها، فانّه مكّنها من قضاء شهوتها بالميتات و كلّفنا منعها من إيصال هذه المضارّ
إلى الحيوان و أنّه بذلك مخرج من أن يكون مغريا لها على فعل هذه الآلام بأن قال في
السباع و الجوارح ما لا يتناول الميتات، كالأسد و البازي.
و غير مسلّم أنّا كلّفنا
منعها على الإطلاق، بل إنّما يلزمنا منعها من مواشينا، لأنّ فيه دفع الضرر عنّا، و
كذا لو رقّ قلبنا لبعض الحيوان بافتراس الذئب أو الأسد إيّاه و وصل إلينا غمّ شديد
بسبب ذلك. فأمّا ما عدا ذلك، فلا شيء يدلّ على وجوبه لا عقليّ و لا سمعيّ. و ما
سمعنا و ما نقل إلينا عن أحد من العلماء قديما و حديثا، أنّهم أوجبوا على العقلاء
الخروج إلى البراري و الصحاري ليمنعوا الأسود و الذئاب من اصطياد الوحش و
افتراسها.
فإن قيل: أ ليس في المرويّ
عن الرسول عليه السلام: «أنّه تعالى ينتصف للجماء من القرناء». و هذا الحديث يقتضي
ظاهره أنّه تعالى يأخذ حقّ الجمّاء و عوضها من القرناء، فكيف تقول: «إنّ عوضها على
اللّه تعالى؟ و هل هذا إلّا مخالفه لهذا الظاهر؟
قلنا: ليس في الخبر كيفيّة
انتصافه لها منها، فيحتمل أن يكون انتصافه تعالى لها منها، بأن يعوض الجماء بأعواض
موفية من قبله جلّ و عزّ بما نالها من القرناء، فانّه إذا فعل تبارك و تعالى ذلك
يكون قد انتصف لها منها. و يحتمل أن تكون فائدة الحديث و المقصود منه المبالغة في
أنّه ينتصف للمظلوم الضعيف من الظالم القويّ، لأنّه أراد الجمّاء و القرناء
الحقيقيّين، إذ وصف الضعيف بالجمّاء و القويّ بالقرناء من أحسن التشبيه.
و أجاب أيضا عن احتجاج
القاضي بأنّه تعالى ما بعث السباع على هذه المضارّ و لا ألجأها إليها و لا أطلقها
لها، و إنّما مكّن منها. فلو انتقل العوض إليه تعالى بالتمكين للزم إذا مكنّا
غيرنا بدفع سيف إليه من قتل إنسان فقتله أن