ما ذكرناه، و أمّا المفسدة
فهي ما يعصي المكلّف عنده، سواء كان عصيانه بالإقدام أو بالإحجام أو بهما جميعا. و
لو لاه ما يعصي و لا يكون تمكينا و لا له حظّ في التمكين من العصيان الواقع عنده،
أي وقوعه عنده يكون بطريق الدعوة و البعث، لا بطريق التمكين، على ما ذكرناه في حدّ
اللطف. و قد يعدّ في المفسدة ما يكون المكلّف عنده أقرب إلى أن يعصي و إن لم يعص،
و لولاه ما كان أقرب، بشرط أن لا يكون تمكينا كما يعدّ المقرّب في اللطف، و يزاد
في حدّها بذكره بأن يقال: أو يكون المكلّف عنده أقرب إلى المعصية، و لو لاه ما كان
يكون أقرب مع الشرط المعتبر. و في ذلك نظر.
و اعلم أنّ المصالح تنقسم
إلى ما يكون مصلحة في الدين و إلى ما يكون مصلحة في الدنيا. فمصالح الدين هي
الألطاف، و مصالح الدنيا هي الامور التي ينتفع بها الحيّ لا يستضرّ بها حيّ آخر من
الأحياء و لا يكون فيها وجه قبح.
يجوز أن يعلم اللّه تعالى
إن رزق شخصا مائة دينار انتفع به عاجلا و آجلا و لا يستضرّ به غيره و لا وجه من
وجوه القبح.
و قد وقع الخلاف في وجوب
كلّ واحد من قسمي المصالح الدينيّة و الدنيويّة عليه تعالى.
أمّا المصالح الدنيويّة
التي وصفناها، فقد قال أبو عليّ و أبو هاشم: إنّها غير واجبة، و قال أبو القاسم
البلخيّ و غيره من أهل العدل. إنّها واجبة في الجود، فقالوا: إنّه يجب عليه تعالى
في جوده أنّ يرزق الشخص الذي ذكرناه المائة دينار. قالوا: لأنّ علمه بانتفاعه بها
يدعوه إلى أن يرزقه تلك المائة و ليس له عن ذلك صارف، و كلّ من دعاه إلى الفعل داع
و لا يقابل داعيه صارف، فانّه يفعله لا محالة.
قالوا: و إنّما قلنا: «لا
صارف له تعالى عن فعل ما وصفناه»، لأنّ الصارف عن ذلك إمّا علمه بقبحه و قد فرضنا
ألا وجه فيه من وجوه القبح، و إمّا