و وجه آخر: و هو أنّه إذا وصف كلّ واحد منها بأنّه حادث، فقد أثبت لكلّ واحد
منها أوّل. فإن قيل بعد ذلك إنّه لا أوّل لها، كان ذلك نقضا لما سلّم و أثبت، لأنّ
من ضرورة الوصف الثابت للآحاد إثباته للجملة. ألا ترى أنّه لمّا كان كلّ واحد من
الزّنج أسود وجب في جميعهم أن يكونوا سودا، و لا يصحّ غير ذلك.
فإن قال: أ لستم تقولون إن
كلّ جزء من الإنسان ليس بقادر؟ و جملته قادر؟ فلم لا يجوز نظيره فيما نحن بصدده و
هو أن نقول: كلّ واحد من هذه الأعراض محدث و له أوّل، و لا أوّل لجميعها.
قلنا: النفي في هذا الباب
بخلاف الإثبات، فيجوز نفي وصف معيّن عن كلّ جزء من أجزاء جملة معيّنة، ثمّ إثبات
ذلك الوصف بعينه لذلك المجموع و لا يكون ذلك تناقضا؛ و عكسه و هو إثبات وصف لكلّ
جزء ثمّ سلبه عن المجموع غير جائز أ لا ترى انّه يصحّ أن يقال في كلّ جزء من أجزاء
السرير إنّه ليس بسرير، ثمّ يوصف المجموع بأنه سرير، و لا يجوز قياسا على ذلك أن
يقال:
كلّ جزء من أجزائه خشب، و
مجموعه ليس بخشب. إذا ثبت أنّ الحوادث تنتهي إلى أوّل و ثبت أنّ الجسم لم يسبقها،
ثبت حدوث الجسم و تعيّن، فلنتكلّم في إثبات محدثه: