فظاهر أيضا. و ذلك لأنّا
نعلم ضرورة أنّ الجسم المتحيّز لا بدّ من أن يكون إمّا واقعا في فراغ أو مارّا فيه
و لا يعقل إلّا كذلك، و لهذا إذا فرضنا جسمين علمنا ضرورة أنّهما إمّا أن يكونا
متماسّين أو غير متماسّين، و إذا فرضناهما غير متماسّين فإمّا أن يكونا متقاربين
أو يكونا متباعدين، و كلّ هذا يشعر باستحالة وجود لا في جهة، و هو المعني بخلوّه
عن هذه الأعراض.
فإن قيل: لم لا يجوز أن
يقال كانت هذه الأجسام موجودة لم يزل و لم تكن متحيّزة فكانت خالية من هذه
الأعراض، ثمّ لمّا تحيّزت، اختصّ بها هذه الأعراض و لم تنفك بعد تحيّزها عن هذه
الأعراض؟
قلنا: هذا إنّما يتوجّه
على من يجعل المتحيّز أمرين ذاتا[1] و حالا، فيقال له: هلّا كانت الذات ثابتة و لم تكن متحيّزة ثمّ
تحيّزت؟ فأمّا نحن إذا ذهبنا إلى أنّ المتحيّز أمر واحد لا يتوجّه علينا هذا
السّؤال، لأنّ ذلك بمنزلة أن يقال:
هلّا كانت متحيّزة و لم تك
متحيّزة، أو هلّا كانت ثابتة و لم تك ثابتة، و هذا خلف من الكلام.
فإن قيل: لم قلتم إنّ
المتحيّز أمر واحد، و ليس ذاتا و حالا؟
قلنا: بيان ذلك أنّه لو
كان ذاتا و حالا لوجب فيما علم المتحيّز من طريق الإدراك على ضرب من التّفصيل و لم
يذهل عن علمه به، أنّه يجد من نفسه أنّه يعلم أمرا مضافا إلى أمر كما إذا علم
المتحيّز متحرّكا، فإنّه يجد من نفسه أنّه يعلم إضافة معقول هو المتحرّك إلى معقول
آخر[2] هو المتحيز. و كما إذا عرفه أسود،
فانّه يجد من نفسه أنّه يعلم إضافة معقول هو الهيئة إلى معقول آخر هو المتحيّز، و
معلوم أنّه لا يجد في علمه بالمتحيّز مثل هذا.