و إذا كان الكلام في العدل
كلاما في أفعاله تعالى و تنزيهه عن القبائح و الإخلال بالواجب، وجب أن نبيّن أوّلا
حقيقة العدل و حقيقة الفعل و بيان مراتبه من الحسن و الواجب و القبيح، و نبيّن
أنّه تعالى قادر على القبيح و على الإخلال بالواجب، ليكون تنزيها له تعالى عن فعل
القبيح و عن الإخلال بالواجب مدحا له.
و إذا نزهناه تعالى عن
القبائح- و لا شك أنّا نجد في العالم قبائح كثيرة- احتجنا إلى أن نبيّن أنّها من
فعل العباد، و ذلك يستدعي بيان أنّ العباد فاعلون لتصرّفاتهم.
و على طريقة الشيوخ يجب أن
يقدّم القول، في أنّ العباد فاعلون، على القول في تنزيهه تعالى عن القبائح، لأنّهم
يستدلّون على تنزيهه عزّ و جلّ عن القبيح بالرّجوع إلى الشّاهد و أنّ المخيّر بين
الحسن و القبيح كالصّدق و الكذب المستغني بالصّدق الحسن عن الكذب القبيح، لا يختار
القبيح الّذي هو الكذب. و ذلك يبنى على أنّه قادر عليهما و أنّه فاعل لما يقع منه.
أمّا العدل، فانّه مصدر:
«عدل يعدل»، يذكر و يراد به الفعل و قد يراد به الفاعل. فإذا اريد به الفاعل كان
مجازا، و المراد به المبالغة في وصفه بأنّه عادل، أي كثير العدل، كما يقال: رجل
صوم و فطر، على هذه الطريقة، و إذا اريد به الفعل فقد قيل في حدّه و معناه إنّه
إيفاء حقّ الغير عليه و استيفاء الحقّ منه.
و قد قدح في هذا الحدّ بأن
قيل: يلزم عليه القول بأنّ لا يكون خلق الخليقة ابتداء عدلا، لأنّه ليس ذلك إيفاء
حقّ الغير عليه و الاستيفاء الحقّ منه.
و قيل: فالأولى أنّ يحدّ
بأنّه كلّ فعل حسن يفعل بالغير لينتفع به، أو يستضرّ به، يعنون بما يستضرّ العقاب
و الذمّ لمن يستحقّها. و لا أرى في التحديد الاوّل خللا.