و قيل: إنه لما مثل بين
يدي زروان فأبصره و رأى ما فيه من الخبث و الشرارة[1] و الفساد، أبغضه و لعنه و طرده، فمضى و استولى على الدنيا. و أما
هرمز فبقي زمانا لا يدله عليه، و هو الذي اتخذه قوم ربا و عبدوه لما وجدوا فيه من
الخير و الطهارة و الصلاح، و حسن الأخلاق.
و زعم بعض الزروانية أنه
لم يزل كان مع اللّه شيء رديء، إما فكرة رديئة، و إما عفونة رديئة، و ذلك هو
مصدر الشيطان، و زعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور و الآفات و الفتن، و كان
أهلها في خير محض، و نعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور و الآفات و الفتن و
المحن. و كان بمعزل عن السماء فاحتال حتى خرق السماء و صعد.
و قال بعضهم: كان هو في
السماء و الأرض خالية عنه، فاحتال حتى خرق السماء و نزل إلى الأرض بجنوده كلها
فهرب النور بملائكته و أتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته، و حاربه ثلاثة آلاف سنة،
لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى. ثم توسط الملائكة و تصالحا على أن يكون إبليس و
جنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة، بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها، ثم يخرج إلى
موضعه. و رأى الرب تعالى عن قولهم، الصلاح في احتمال المكروه من إبليس و جنوده، و
أن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح. فالناس في البلايا و الفتن و
الخزايا و المحن إلى انقضاء المدة، ثم يعودون إلى النعيم الأول، و شرط إبليس عليه
أن يمكنه من أشياء يفعلها و يطلقه في أفعال رديئة يباشرها. فلما فرغا من الشرط
أشهد عليهما عدلين، و رفعا سيفيهما إليهما و قالا لهما:
من نكث فاقتلاه بهذا
السيف.
و لست أظن عاقلا يعتقد هذا
الرأي القائل، و يرى هذا الاعتقاد المضمحل الباطل. و لعله كان رمزا إلى ما يتصوره
في العقل. و من عرف اللّه سبحانه و تعالى بجلاله و كبريائه، لم يسمح بهذه الترهات
عقله و لم يسمع مثل هذه الترهات سمعه.