و قد صار أبو الحسن
العنبري «1» إلى أن كل مجتهد ناظر في الأصول مصيب،
لأنه أدى ما كلف به من المبالغة في تسديد النظر في المنظور فيه، و إن كان متعينا
نفيا و إثباتا؛ إلا أنه أصاب من وجه، و إنما ذكر هذا في الإسلاميين من الفرق، و أما
الخارجون عن الملة فقد تقررت النصوص و الإجماع على كفرهم و خطئهم، و كان سياق
مذهبه يقتضي تصويب كل مجتهد على الإطلاق، إلا أن النصوص و الإجماع صدته عن تصويب
كل ناظر، و تصديق كل قائل.
و للأصوليين خلاف في تكفير
أهل الأهواء مع قطعهم بأن المصيب واحد بعينه، لأن التكفير حكم شرعي، و التصويب حكم
عقلي، فمن مبالغ متعصب لمذهبه. كفر و ضلل مخالفه، و من متساهل متألف لم يكفر.
و من كفر قرن كل مذهب و
مقالة بمقالة واحد من أهل الأهواء و الملل، كتقرين القدرية بالمجوس، و تقرين
المشبهة باليهود، و تقرين الرافضة بالنصارى، و أجرى حكم هؤلاء فيهم من المناكحة، و
أكل الذبيحة.
و من تساهل و لم يكفر قضى
بالتضليل، و حكم بأنهم هلكى في الآخرة.
و اختلفوا في اللعن على
حسب اختلافهم في التكفير و التضليل.
و كذلك من خرج على الإمام
الحق بغيا و عدوانا، فإن كان صدر خروجه عن تأول و اجتهاد سمي باغيا مخطئا ثم
البغي: هل يوجب اللعن.
فعند أهل السنّة: إذا لم
يخرج بالبغي عن الإيمان لم يستوجب اللعن.
و عند المعتزلة: يستحق
اللعن بحكم فسقه، و الفاسق خارج عن الإيمان، و إن كان صدر خروجه عن البغي و الحسد
و المروق عن الدين فإجماع المسلمين: استحق اللعن باللسان و القتل بالسيف و السنان.