و الحيوانات. و لما قلت الأموال التي يشترون بها، ما يسدون به
رمقهم، باعوا كل شيء يملكونه حتى أولادهم و أهليهم، و بيع الولد في ذلك الحين
بخمسين درهما، بل و بأقل من ذلك. و ما حدث في الجزيرة و الموصل، حدث مثله في مصر و
الشام، و مكة و المدينة، و اشتد الأمر على الناس حتى أكلوا الكلاب و الحمير و
الخيل و البغال، و لم يبق شيء من الدواب عند أحد من الناس، و بيع الكلب في ذلك
الوقت بخمسة دراهم[1]فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
هذه صورة الحياة الاجتماعية في القرن الثامن الهجري، تؤلم القلوب،
و تدمع العيون، و توقظ الإنسانية من غفلتها، و تدفعها إلى تصور البلاء الذي يصيب
اللّه به عباده، إذا ما ابتعدوا عن نهجه القويم، أو تهاونوا في تكاليفه العظيمة،
أو سلكوا مسالك الشيطان، أو أغرتهم قوتهم، فظنوا أنهم هم القادرون و المسيطرون، و
صدق اللّه في قوله:وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً[2].
[1]راجع تاريخ مصر لابن أياس ج 1 ص 133
و البداية و النهاية لابن كثير ج 13 ص 343.