فيكون تناقضا بمنزلة أن يقال: الماهية المعدومة موجودة، و كذا في
حمل العدم، بل كل وصف كقولنا: الجسم أسود. فإن الموضوع إما مع اعتبار المحمول
فلغو. و مع اعتبار عدمه فتناقض. فأزال ذلك الوهم، بأن الموضوع و إن كان لا يخرج عن
المحمول، أو نقيضه وجودا كان أو عدما أو غيرهما، لكن لا يلزم أن يعتبر فيه أحدهما،
و إنما يجيء تقيده من قبل[1]الحمل.
فإن حمل عليه الوجود كان موجودا، أو العدم فمعدوما، أو السواد فأسود، أو البياض
فأبيض، من غير أن يعتبر معه شيء من ذلك، و كذا الثبوت الذهني، و إن كان لازما، من
جهة أن الحكم على الشيء يستدعي تصوره، و هو ثبوت ذهني لكن لا يلزم اعتباره في
الموضوع، لأن الحكم إنما هو على الذات من غير اعتبار الأوصاف لازمة كانت أو
مفارقة، فليس معنى قولنا: الماهية موجودة. أن الماهية الثابتة في الذهن موجودة حتى
لو كان المحمول هو الثبوت الذهني أو نفيه، لم يكن لغوا أو تناقضا، إلا بالنسبة إلى
من يعلم أن المحكوم عليه متصور البتة، و أن التصور ثبوت ذهني.
إثبات صحة الحكم
(قال:و لا يشترط في صحة[2]المطابقة[3]لما في الأعيان، إذ قد لا يوجد فيها الطرفان، و لا يكفي المطابقة لما
في الأذهان، اذ قد يرتسم فيها الكواذب[4]،بل المعتبر[5]المطابقة[6]لما
في نفس الأمر، و معناه ما يفهم من قولنا: هذا الأمر كذا في نفسه، أي في حد ذاته،
مع قطع النظر عن حكم
[4]كما ارتسم بثبوت القدم للعالم في
أذهان الفلاسفة فلو كفت في صحة الحكم مطابقته لما في الأذهان لكان قول القائل
العالم قديم صحيحا لمطابقته لما في أذهان الفلاسفة فليست مطابقة الأذهان معتبرة في
صحة الحكم.