ذهب صاحب المواقف إلى أن الخلاف في تمايز الإعدام فرع الخلاف في
الوجود الذهني، فمن أثبته نفاه، لأن التمايز لا يكون إلا في العقل، أي بحسب التعقل
و التصور، فإن كان ذلك بوجود في الذهن، على ما هو رأي المثبتين لم يتصور معدوم
مطلقا. أي معدوم ليس له شائبة الوجود، لأن كل متصور فله وجود ذهني، فلا يكون
التمايز إلا للموجودات، و من نفاه أثبته.
لأن الإعدام ليست لها شائبة الوجود متمايزة في التصور، و أنت خبير
بأن الأمر بالعكس. لأن الفلاسفة المثبتين للوجود الذهني يقولون: بتمايز الإعدام، و
جمهور المتكلمين النافين له هم القائلون بعدم تمايزها، فالأولى أن يقال في بيان
التفرع. أنه لما كان التميز عندهم وصفا ثبوتيا، يستدعي ثبوت الموصوف به فمن أثبت
الوجود الذهني حكم بتمايز الإعدام عند تصورها لما لها من الثبوت الذهني، و إن كانت
هي إعداما في أنفسها، و من نفاه حكم بعدم التمايز[1]لعدم الثبوت أصلا.
(قال:و العدم قد يعرض لنفسه، بأن يعقل فيغفل عنه فيكون نوعا من العدم
باعتبار و مقابلا له باعتبار، كما أن المعدوم المطلق ثابت باعتبار، فيصح الحكم
عليه و قسيم له[2]باعتبار فيمتنع.
فإن قيل: فمن حيث إنه ليس بثابت يمتنع الحكم عليه و هذا حكم.
قلنا: نعم. لكن من حيث أنه ثابت، و لا يناقض لاختلاف الاعتبارين، و
كذا الحكم بامتناع الحكم[3]على
المجهول المطلق[4]و اللاممكن التصور.
[3]إذا الحكم على الشيء فرع تصوره و
هذا لم يتصور فلا ثبوت له فلا حكم عليه.
[4]المجهول المطلق: و هو الذي لم يتصور
بوجه ما، و الذي قلنا في الأول هو ما به بيان جهتين مختلفين يثبت الحكم بإحداهما و
امتنع باعتبار الأخرى، فنقول هنا أيضا المجهول المطلق من حيث مفهومه أي شيء لم
يتصور أصلا درك متصور فصح الحكم عليه بامتناع الحكم، و من حيث مصدوقه ذاته لم
يتصور فلا يحكم عليه بشيء.