قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم.
و كان أبو المعالي الجويني يقول: لقد جلت أهل الإسلام جولة، و علومهم
و ركبت البحر الأعظم، و غصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك في طلب الحق، و هربا من
التقليد، و الآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق.
عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين
العجائز، و يختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، فالويل لابن الجويني.
و كان يقول لأصحابه: «ياأصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما
تشاغلت به»[1].
قال هذا رجل عاش حياته في مجادلة الخصوم، و مناقشة العلماء و وضع
كتابين على نمط منهج علماء الكلام هما: الإرشاد[2]، و الشامل في أصول الدين[3].
و يطيب لي أن نستعرض آراء الأئمة الأربعة في علم الكلام.
فالإمام مالك رضي اللّه عنه صاحب كتاب الموطأ يوصي أصحابه بقوله:
«إياكمو البدع قيل: يا أبا عبد اللّه، و ما البدع ..؟
قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء اللّه و صفاته، و كلامه و
علمه، و قدرته، و لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة و التابعون لهم بإحسان»[4].
و يروي ابن عبد البر، المتوفى سنة 463- 1070 م في كتاب (مختصر جامع
بيان العلم و فضله) أن الإمام مالكا كان يقول:
[1]تلبيس إبليس لابن الجوزي ص- 84- 85 و
طبقات الشافعية للسبكي ج 4 ص 60.
[2]حقق هذا الكتاب المرحوم الدكتور محمد
يوسف موسى، و الدكتور علي عبد المنعم.
[3]حققه الدكتور علي سامي النشار، و
فيصل بدير عون، و سهير محمد مختار.
[4]تمهيد لتاريخ الفلسفة للشيخ مصطفى عبد
الرازق ط. ثالثة 1966 م، ص 155.