العاقل و المعقول، سواء كان العلم عبارة عن حصول صورة الشيء في
العقل، أو عن إضافة مخصوصة بين العاقل و المعقول، أو عن صفة ذات إضافة[1]، و التعلق بين العاقل و بين
العدم الصرف محال بالضرورة. فلا بد للمعقول من ثبوت في الجملة، و لما امتنع ثبوت
الكليات بل سائر المعدومات سيما الممتنعات في الخارج تعين كونه في الذهن.
فإن قيل: في رد هذا الجواب أن المعقولات التي لا وجود لها في الخارج
لا يلزم أن تكون موجودة في الذهن، لجواز أن تكون صورا[2]قائمة بأنفسها، كالمثل المجردة الأفلاطونية[3]على ما سيأتي. في بحث الماهية، و كالمثل المعلقة التي يقول بها بعض
الحكماء، زعما منهم أن لكل موجود شبحا في عالم المثال. ليس بمعقول و لا محسوس على
ما سيأتي في آخر المقصد.
الرابع:أو قائمة ببعض المجردات كما تدعيه الفلاسفة من ارتسام صور الكائنات
في العقل الفعال، و ينبغي أن يكون هذا مراد الإمام بالأجرام الغائبة عنا، و إلا
فقيام المعدومات بالأجسام مما لا يعقل.
قلنا: الكلام في المعدومات سيما الممتنعات، و لا خفاء في امتناع
قيامها بأنفسها بحسب الخارج، و لا بالعقل الفعال بهوياتها، إذ لا هوية للممتنع بل
غاية الأمر أن يقوم به تصورها بمعنى تعقله إياها، و هو يستلزم المطلوب من جهة
استلزامه كون التعقل بحصول الصورة في العاقل، فترتسم الصورة في القوة
[3]المثل الأفلاطونية مبدأ المعرفة و
مبدأ الوجود معا، فهي مبدأ المعرفة لأن النفس لا تدرك الأشياء و لا تعرف كيف
تسميها إلا إذا كانت قادرة على تأمل المثل. و هي مبدأ الوجود، لأن الجسم لا يتعين
في نوعه إلا إذا شارك بجزء من مادته في مثال من المثل.
و المثال عند «أفلاطون» صورة مجردة، و حقيقة معقولة أزلية ثابتة قائمة بذاتها لا تتغير و
لا تندثر و لا تفسد: قال الفارابي: إن أفلاطون في كثير من أقاويله يومئ إلى أن
للموجودات صورا مجردة في عالم الإله و ربما يسميها بالمثل الإلهية.