بين الصور الذهنية، و الأعيان الخارجية، لا معنى لفهمها و العلم بها
سوى حصول صورها،[1]كان بمنزلة أن يقال: يحصل من حصول الصور حصول الصور.
قلنا: المراد أنه إذا حكم على الأشياء كان الحاصل في الذهن هو الصور،
و يحصل منها الحكم على الأعيان الخارجية. فإنا إذا قلنا: العالم حادث، فالحاصل في
الذهن صورة العالم و صورة[2]الحدوث،
و قد حصل منها العلم بثبوت الحدوث للعالم الموجود (في الخارج فإن قيل نحن)[3]قاطعون بأن المواضع إنما عين الألفاظ، بإزاء ما نعقله من الأعيان، و
للدلالة عليها و لهذا يقول بالوضع و الدلالة من لا يقول بالصور الذهنية في الخارج[4].
فإن قيل: نحن نعم إذا لم يكن للمعقول وجود في الخارج، كان المدلول هو
نفس الصورة عند من يقول بها كالمعدوم و المستحيل.
قلنا: مبني هذا الكلام على إثبات الصور الذهنية[5]، فإنه مما يكاد يقضي به
بديهة العقل. و لما كان عند سماع اللفظ ترتسم الصورة[6]في النفس، فيعلم ثبوت الحكم لما في الخارج، جعلوا الخارج مدلول
الصورة، و الصورة مدلول اللفظ، و أما كون مدلول الخط هو اللفظ فظاهر، و الحكمة فيه
قلة المئونة، حيث اكتفى بحفظ صور متعددة[7]تترتب بترتب الحروف في الألفاظ، من غير احتياج إلى أن يحفظ لكل معنى
صورة مخصوصة.
[6]يطلق لفظ الصورة على بقاء الإحساس في
النفس بعد زوال المؤثر الخارجي أو على عودة الإحساسات إلى الذهن بعد غياب الأشياء
التي تثيرها و تسمى بالصورة الذهنية و الفرق بين الصورة التالية و الصورة الذهنية،
أن الأولى تعقب الإحساس مباشرة على حين أن الثانية هي التي تعود إلى مسرح الشعور
دون تأثير حسي مباشر.