و مرادنا نفي الإيجاب الكلي لعدم اللزوم في بعض المواد، و القائلون
بأنه لا لزوم أصلا يريدون اللزوم الذي مناطه صفة في الشبهة، بمعنى أن شبهة المنظور
فيها ليس لها[1]لذاتها صفة و لا وجه، بكونه مناط للملازمة بينها و بين المطلوب، و
إلا لما انتفت الدلالة[2]و
العناصر، و عجائب المركبات و أبعد كالمجردات و الإلهيات من مباحث الذات و الصفات،
و أجيب بأن ذلك إنما يدل على صعوبة تحصيل هذه العلوم بالنظر لا على امتناعه، و
المتنازع هو الامتناع لا الصعوبة.
الخامس: لو أفاد النظر العلم أي التصديق في الحقائق الإلهيات لكان
شرطه و هو التصور متحققا لكنه منتف إما بالضرورة فظاهر، و إما بالكسب فلأن الحد
ممتنع لامتناع التركيب و للرسم لا يفيد تصور الصور الحقيقية. و أجيب بأن الرسم[3]قد يفيد تصور الحقيقة و إن لم يستلزمه و لو سلم فيكفي التصور لوجه
ما.
السادس: أن العلم بوجود الواجب هو الأساس في الإلهيات، و لا يمكن
اكتسابه بالنظر، لأنه يستدعي دليلا يفيد أمرا و يدل عليه، و ذلك إما نفس ثبوت
الصانع أو العلم به، و إلا لما كان دليلا عليه، فإن كان الأول لزم من انتفائه
انتفاؤه ضرورة انتفاء المفاد بانتفاء المفيد، و إن كان الثاني لزم من عدم النظر
في
[2]الدلالة: هي أن يلزم من العلم
بالشيء علم بشيء آخر، و الشيء الأول هو الدال و الثاني هو المدلول فإن كان
الدال لفظا كانت الدلالة لفظية و إن كان غير ذلك كانت الدلالة غير لفظية و كل
واحدة من اللفظية و غير اللفظية تنقسم إلى عقلية و طبيعية و وضعية و تنقسم الدلالة
اللفظية و الوضعية إلى دلالة المطابقة، و دلالة التضمن و دلالة الالتزام.
(راجع تعريفات الجرجاني).
[3]الرسم عند المنطقيين مقابل للحد و هو
قسمان: رسم تام و رسم ناقص. فالتام ما يتركب من الجنس القريب و الخاصة، كتعريف
الإنسان بالحيوان الضاحك. و الناقص ما يكون بالخاصة وحدها أو بها و بالجنس البعيد،
كتعريف الإنسان بالضاحك أو بالجسم الضاحك. أو بعرضيات تختص جملتها بحقيقة واحدة،
كقولنا في تعريف الإنسان إنه ماش على قدميه، عريض الأظفار بادي البشرة مستقيم
القامة، ضحاك بالطبع.