تمهيد:
عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن الكريم
القرآن،و ما أدراك ما القرآن،كتاب جاء به بشر مبلّغا أنّه وحي يوحى { (علّمهُ شدِيدُ الْقُوى) } [1]في العصر الوحيد في رقيّ الفصاحة و البلاغة-في نوع العرب-و قيام سوقهما و عموم أدبهما.
و كانت دعوة القرآن باهضة لأهل ذلك العصر،مضادّة لأهوائهم،مهدّدة لطاغوتهم
في جميع شئونهم،و كانوا هم أهل السلطة و الصولة،و الاقتدار و الثروة،و أهل
اللسان الراقين في الفصاحة و البلاغة،فاحتجّ القرآن و نبيّه بجلالة مقامه
بحيث يعجزون عن معارضته و الإتيان بمثله.
و كم تحدّاهم[2]في ذلك بطلب المعارضة تعجيزاً،فلمّا عجزوا تنازل في تعجيزهم إلى«عشر سور من مثله»[3]فلمّا عجزوا تنازل معهم إلى الإتيان { (بِسُورةٍ مِنْ مِثْلِهِ) } [4]و
قد كان لهم بالمعارضة أحسن مندوحة تقوم لهم بها الحجّة،و تظهر الغلبة،و
يخلد لهم الذكر،و يسمو الشرف،و يستريحون إليها من مقاساة أهوال الحروب التي
طحنتهم، و معاناة[5]هوان الأسر،و صغار المغلوبية،و ذلّة الانحطاط من جبروتهم، و التنازل عن ضلالهم و عوائدهم.
لكنّهم يعرفون-لا كغيرهم-أنّ الذي يفتخر به و يتنافس فيه من ارتفاع قدر الكلام و بلاغته إنّما يكون بمقدار مطابقته لمقتضى
[1]النجم 53:5. [2]تحدّاهم:نازعهم. [3]اقتباس من سورة هود 11:13. [4]البقرة 2:23. [5]المعاناة:الملابسة و المباشرة.