الأمر الرابع:
مطابقة البلاغة لمقتضى الحال
قال صاحب«حسن الإيجاز»:«إنّه يمكن عقلا أن يأتي إنسان بأفصح العبارات و
أبلغها و أحسنها نظما و هي تحكم بأنّ اللّه شرّير،تعالى عن ذلك علوّا
كبيرا،فهل يصدّق قائلها إذا اتّخذ ذلك دليلا على أنّ عباراته من وحي
اللّه؟!و إلاّ فما الدليل على أنّ ذلك محال؟!
فإن قيل:إنّ نسبة الشرّ إليه تعالى دليل على بطلان أنّها وحي اللّه.
قلنا:إنّ كثيرين من أهل الأديان نسبوا أمثال ذلك إليه تعالى»انتهى محلّ الحاجة.
تزويق الألفاظ في العهدين
أقول:لا لوم على هذا الرجل إذا لم يعرف معنى البلاغة فتوهّم لنفسه أنّها
عبارة عن تزويق الألفاظ و إن كان معناها فاسدا قبيحا في مورده،و من تقحّم
مثل تقحّمه جدير بأن لا يعرف أنّ البلاغة التي بها يعلو قدر الكلام و
يتفاخر إنّما هي مطابقته لمقتضى الحال كما ذكرناه في التمهيد.ألا و إنّ
العبارات التي تحكم بأنّ اللّه شرّير لتخسأ و تذلّ عن أن يدنّس بها اسم
البلاغة و معناها.
أ لا ترى أنّ كاتب التوراة الرائجة لمّا لم تكن عنده حقيقة القصّة في أكل
آدم و حوّاء من الشجرة التي نهاهما اللّه عنها،و أراد أن يصوّرها كشاعر
خيالي،فإنّه مهما تأنّق في تزويق عباراتها و تنميق[1] محاوراتها جاء بها شنعاء شوهاء،تشوّهت ألفاظها بتشويه معانيها، فكانت من الكلام الساقط الذي تشمئزّ منه النفوس،انظر في الفصل