وبين النقطة الأولى والنقطة الثالثة نحو
تضاد ، إذ أنّ عمر هو الّذي ظهر له أنّ الأمر عن غير قصد جازم ، وهذا مختص
به دون غيره كما يزعم المازري ، ويعني ذلك أنّه خفي على الآخرين ، وإذا
كانوا كذلك فما بالهم يختلفون في امتثال الأمر ما دام لم يظهر لهم ما ظهر
لعمر دون غيره ، ثمّ إنّ قول المازري : « عن غير قصد جازم » يعني ترك الباب
مفتوحاً أمام الصحابة فمن شاء أن يمتثل امتثل ومن شاء تخلف ، لأنّ الأمر
ليس على التحتم بل على الاختيار وهذا ما أكده بقوله : « عن غير قصد جازم »
والآن لنا أن نسائله.
١ ـ ما معنى بيانه صلىاللهعليهوآلهوسلم
لمصلحة الحكم الشرعي من أمره بقوله : (لا تضلون بعدي أبداً). فلو كان على
سبيل الإختيار فمن شاء فعل ومن شاء ترك ، لما ترتب أمر العصمة من الضلالة
لهم جميعاً ، بل كان يختص ذلك بمن امتثل ويحرم منه من خالف ، ولما كان
الخطاب للجميع فلابدّ أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم
توخى هداية الجميع وبذلك تتم فائدة العصمة من الضلالة وإلّا فلا.
٢ ـ ما معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
في آخر الحديث : (قوموا عني) ، وذلك يعني طردهم عنه ولو كان أمره الأوّل عن
غير قصد جازم وليس على التحتم ، بل على الإختيار لما كان لطردهم عنه معنى ،
وان تنطّع متنطع فقال : « انّ طردهم عنه إنّما كان بعد تنازعهم ولغطهم
فتأذى بذلك فقال : (قوموا عني) ». وهذا لا يدل على الوجوب في الامتثال. هنا
نقول له انّ ذلك النزاع هو وحده كاف في الدلالة على لزوم الأمر ، وإلّا لو
كان الأمر اختيارياً لما حدث النزاع ولما أستلزم الطرد.