فمن تلك الوصايا ما قال له وقد أردفه
خلفه ، وأخذ بيده فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
له :
(يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله
بهنّ ؟ قال ابن عباس : بلى ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في
الشدّة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا أستعنت فاستعن بالله ، قد جفّ القلم
بما هو كائن ، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه
الله لم يقدروا ، وان أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا
عليه ، واعلم أنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأن النصر مع الصبر ،
وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا) [١].
[١] أخرج هذه الوصية
الثمينة والدرة اليتيمة كثير من الحفاظ وأئمة الحديث ، كابن منده والترمذي
وابي نعيم في أخبار أصبهان ٢ / ٢٠٤ ، وفي الحلية ١ / ٣١٤ ، والطبراني في
معجمه الكبير في عدة مواضع من أحاديث ابن عباس فراجع ١١ / ١٨٤ و ١٢ / ١٠٠ و
١٤٣ و ١٧٨ وغيرها ، وأحمد في مسنده ١ / ٢٥ ، والنووي في أربعينه الحديث /
١٩ ، وشرحها
ابن دقيق العبد والفشني وابن حجر والتفتازاني في شروحهم للأربعين النووية ،
وشرحها شرحاً وافياً ابن رجب الحنبلي وسماه ـ نور الأقتباس في مشكاة وصية
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
لابن عباس ـ وقد طبع سنة ١٣٦٥ بمصر شركة مساهمة. كما أخرجها أيضاً الخطيب
البغدادي في تاريخه ١٤ / ١٢٦ ، وابن تيمية في رسالة قاعدة جليلة في التوسل
والوسيلة / ٣٨ ط مصر سنة ١٣٧٣ ، وأخرجها الزمخشري ٣ / ٥٠٥ في ربيع الأبرار ،
والسبكي في تفريج
المهج بهامش حل العقال / ١٣ ، والديريني في طهارة القلوب بهامش نزهة الجليس
١ / ١٨٢ ، والسراج الطوسي في اللمع / ١٤٣ وغيرهم وغيرهم ، ودليل الفالحين
لطرق رياض الصالحين ١ / ٢٨٤ ـ ٢٩١ ، وتاريخ جرجان للسهمي / ٤٦. وإنما أطلت
بذكر المصادر
لأنها كلّها مجمعة على أن الوصية صدرت من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى عبد الله بن عباس ، إلّا أن هناك مصادر أخرى ذكرت أن الوصية بمضمونها كانت من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى الفضل بن العباس ، وإن وجد في ألفاظها بعض اختلاف ، واحتمال التعدد غير
ممتنع لكنه بعيد ، خصوصاً وان في أوّل وصيته إلى الفضل مؤشر على أنّه كان
غلاماً ووضع يده في ظهر الغلام حين أرتدفه وذلك خشية سقوطه ، وإذا علمنا
بأن الفضل أكبر من عبد الله وانه جاوز البلوغ
،