رسول الله ، إلى
ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أمّا بعد فأقم في بيتك ، وخذّل الناس عن ابن أبي طالب
، وليبلغني عنك ما أحبّ ، إنّك أوثق أهلي عندي ، والسّلام.
فأجابها هذا الرجل الصالح بما يلي : من
زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر ، أمّا بعد; فإنّ الله أمركِ بأمر ، وأمرنَا
بأمر ، أمركِ أن تقرّي في بيتكِ ، وأمرنا أن نجاهدَ ، وقد أتاني كتابك تأمريني أن
أصنعَ خلاف ما أمرني الله به ، فأكون قد صنعتُ ما أمرك الله به ، وصنعتِ أنتِ ما
به أمرني ، فأمْركِ عندي غير مطاع ، وكتابُك لا جواب له[١].
وبهذا يتبيّن لنا بأنّ عائشة لم تكتفِ
بقيادة جيش الجمل فقط ، وإنّما طمحتْ في إمرة المؤمنين كافّة في كلّ بقاع الأرض ،
ولكلّ ذلك كانت هي التي تحكم طلحة والزبير اللذين كانا قد رشّحهما عمر للخلافة ،
ولكلّ ذلك أباحتْ لنفسها أنْ تراسل رؤساء القبائل والولاة وتُطمِعُهم وتستنصِرُهم.
ولكلّ ذلك بلغتْ تلك المرتبة وتلك
الشّهرة عند بني أُميّة ، فأصبحتْ هي المنظور إليها والمُهابة لديهم جميعاً ،
والتي يُخشى سطوتها ومعارضتها ، فإذا كان الأبطال والمشاهير من الشجعان يتخاذلون
ويهربون من الصفِّ إزاء علي ابن أبي طالب ولا يقفون أمامه ، فإنّها وقفتْ وألّبتْ
واستصرختْ واستفزّت.
ومن أجل هذا حيّرتْ العقول ، وأدهشتْ
المؤرّخين الذين عرفوا مواقفها في حرب الجمل الصغرى قبل قدوم الإمام علي ، وفي حرب
الجمل الكبرى بعد مجي الإمام علي ودعوتها لكتاب الله ، فأبت وأصرّت على الحرب في
[١] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ٦ : ٢٢٦ ، تاريخ الطبري ٣ : ٤٩٢.