منطق يرتجز، ولا صولة ترهب، ولا عين تبصر، ومرتكز الدماغ على الأرض مبدّد.
أصحيح أنّ الحسين ينظر إلى تلكم الفجائع ومعه حياة تقدمه، أو عافية تنهض به؟ لا واللّه لم يبق الحسين بعد أبي الفضل إلاّ هيكلاً شاخصاً، معرّى عن لوازم الحياة، وقد أعرب سلام اللّه عليه عن هذا الحال بقوله: " الآن انكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي ".
وبان الانكسار في جبينه
فانكدّت الجبال من حنينه
كافل أهله وساقي صبيته
وحامل اللوا بعالي همّته
وكيف لا وهو جمال بهجته
وفي محيّاه سرور مهجته
ورجع إلى المخيم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمّه كي لا تراه النساء[1]، وقد تدافعت الرجال على مخيمه، فنادى بصوت عال: أما من مجير يجيرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من طالب حقّ ينصرنا؟ أما من خائف من النار فيذبّ عنّا؟
كُلّ هذا لإبلاغ الحجّة، وإقامة العذر، حتّى لا يعتذر أحد بالغفلة يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين.
ولمّا رأته سكينة مقبلاً أخذت بعنان جواده، وقالت: أين عمّي العبّاس، أراه أبطأ بالماء؟
فقال لها: إن عمّك قُتل، فسمعته زينب فنادت: واأخاه! واعباساه! واضيعتنا بعدك! وبكين النسوة وبكى الحسين معهنّ، ونادى: واضيعتنا بعدك أبا الفضل.