والآن مع نكتة أُخرى في النصّ، هي: كيف يُنسب إلى أبي بكر المنع من التدوين، في حين نراه يمنع عن التحديث فقط ـ في هذا النصّ ـ لقوله: "لا تحدّثوا"؟!
الجواب:
إنّ الخليفة حينما منع من التحديث كان يريد المنع من التدوين بطريق أَوْلى ; لأنّ مَن يدعو إلى منع التحديث لا يعقل أن لا يقول بمنع التدوين أيضاً، وخصوصاً حينما نرى علّة الاختلاف والسبب في عدم التحديث هو الاختلاف، لقوله: "والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا"، وبما أنّ الكتابة أبقى للاختلاف المفروض وقوعه، بل سببّ لتداوله وتخليده بين المسلمين، فالخليفة ينهى عنه بطريق أَوْلى ; هذا أوّلاً.
ثانياً: إنّ جملة "لا تحدّثوا" تشمل الكتابة مثلما شملت التحديث ; لأنّ التحديث تارة يكون عن كتاب، وتارة عن مشافهة، فمثلاً: لو عثرت فرقه تنقيب أثرية على لوحة من السومريّين أو المعينيّين فيها أُصول حضارتهم، فهم سيتحدّثون عن تلك الحضارة بعد فتح رموزها، وهذا يعني إمكان التحديث عن الكتابة وهو الملاحظ في كتبنا، فنحن