قال: و عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا، و لم ير أحد سوأتي» أي لئلا يرى أحد سوأتي عند الختان. قال الحاكم: تواترت الأخبار أنه (صلى اللّه عليه و سلم) ولد مختونا. و تعقبه الذهبي فقال:
ما أعلم صحة ذلك، فكيف يكون متواترا: أي و أجيب بأنه أراد بالتواتر الاشتهار، فقد جاءت أحاديث كثيرة في ذلك. قال الحافظ ابن كثير: فمن الحافظ من صححها، و منهم من ضعفها، و منهم من رآها من الحسان: أي و قد يدعى أنه لا مخالفة بين هذه الأقوال الثلاثة، لأنه يجوز أن يكون من قال صحيحة أراد صحيحة لغيرها، و الصحيحة لغيرها قد تكون حسنة لغيرها، و من قال ضعيفة أراد في حد ذاتها.
و في الهدى أن الشيخ جمال الدين بن طلحة صنف في أنه ولد مختونا مصنفا أجلب فيه من الأحاديث التي لا خطام لها و لا زمام. ورد عليه في ذلك الشيخ جمال الدين بن العديم و ذكر أنه (صلى اللّه عليه و سلم) ختن على عادة العرب.
و ولد من الأنبياء على صورة المختون أيضا غير نبينا (صلى اللّه عليه و سلم) ستة عشر نبيا، و قد نظم الجميع بعضهم فقال:
و في الرسل مختون لعمرك خلقة* * * ثمان و تسع طيبون أكارم
و هم زكريا شيث إدريس يوسف* * * و حنظلة عيسى و موسى و آدم
و نوح شعيب سام لوط و صالح* * * سليمان يحيى هود يس خاتم
و ليس هذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، بل غيرهم من الناس يولد كذلك.
و من خرافات العامة أن يقولوا لمن يولد كذلك: ختنه القمر: أي لأن العرب تزعم أن المولود في القمر تنفسخ قلفته فيصير كالمختون، و ربما قالت العامة ختنته الملائكة و بهذا يرد على ما ذكره الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى أن من خصائصه (صلى اللّه عليه و سلم) ولادته مختونا.
و قيل ختن (صلى اللّه عليه و سلم): أي ختنه الملك الذي هو جبريل كما صرح به بعضهم يوم شق قلبه (صلى اللّه عليه و سلم) عند ظئره: أي مرضعته حليمة. قال الذهبي: إنه خبر منكر. و قيل ختنه جده يوم سابع ولادته (صلى اللّه عليه و سلم). قال العراقي، و سنده غير صحيح ا ه: أي لما عق عنه (صلى اللّه عليه و سلم) بكبش كما سيأتي.
أقول: و قد يجمع بأنه يجوز أن يكون ولد مختونا غير تام الختان كما هو الغالب في ذلك، فتمم جده ختانه، لكن ينازع فيه ما تقدم من قوله (صلى اللّه عليه و سلم) «من كرامتي