الحمد للّه الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله، فجعله شاهدا و مبشرا و نذيرا، و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا، و جعل فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه و اليوم الآخر و ذكر اللّه كثيرا. اللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و فجر لهم ينابيع الرحمة و الرضوان تفجيرا.
و بعد، فإن من دواعي الغبطة و السرور أن رابطة العالم الإسلامي أعلنت عقب مؤتمر السيرة النبوية الذي انعقد في باكستان في شهر ربيع الأول من سنة 1396 ه بإقامة مسابقة على مستوى العالم الإسلامي، للبحث حول موضوع السيرة النبوية- على صاحبها ألف ألف صلاة و سلام- تنشيطا للكاتبين، و تنسيقا لجهودهم الفكرية، و إني أرى أن هذا العمل له قيمة كبيرة ربما لا يحيط بوصفها البيان. فإن السيرة النبوية و الأسوة المحمدية على صاحبها ما يستحق من الصلاة و السلام- إذا لاحظناها بعين الدقة و الاعتبار- هي المنبع الوحيد الذي تتفجر منه ينابيع حياة العالم الإسلامي و سعادة المجتمع البشري.
و إن من سعادتي و حسن حظي أني أساهم في تلك المسابقة المباركة، و لكن أين أنا حتى ألقي ضوءا على حياة سيد الأولين و الآخرين (صلّى اللّه عليه و سلم). و إنما أنا رجل يرى لنفسه كل السعادة و الفلاح أن يقتبس من نوره، حتى لا يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا و هو من أمته، و يموت و هو من أمته، و يغفر اللّه له ذنوبه بشفاعته.
و كلمة بسيطة أرى أن أقدمها عن منهجي في مقالتي هذه: إني قبل أن آخذ في كتابة المقالة رأيت أن أضعها في حجم متوسط متجنبا التطويل الممل و الإيجاز المخل، و لكني كثيرا ما رأيت في المصادر اختلافا كبيرا في ترتيب الوقائع، أو في تفصيل جزئياتها، و في مثل هذه المواقع قمت بالتحقيق البالغ، و أدرت النظر في جميع جوانب البحث. ثم أثبت في صلب المقالة ما ترجح لدي بعد التحقيق. و لكن احترزت عن إيراد الدلائل و البراهين؛