كان النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يمتاز من كمال خلقه و كمل خلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، و كان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، و الرجال تفانوا في حياطته و إكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه و أحبوه إلى حد الهيام، و لم يبالوا أن تندق أعناقهم و لا يخدش له ظفر، و ما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر- و فيما يلي نورد ملخص الروايات في بيان جماله و كماله مع اعتراف العجز عن الإحاطة.
جمال الخلق
قالت أم معبد الخزاعية عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)- و هي تصفه لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجرا-: ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه تجله، و لم تزر به صعلة، و سيم قسيم، في عينيه دعج، و في أشفاره وطف، و في صوته صحل، و في عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، و إن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس و أبهاهم من بعيد، و أحسنه و أحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، و لا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر و لا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا، و أحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، و إذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس و لا مفند [1].
و قال علي بن أبي طالب- و هو ينعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)-: لم يكن بالطويل الممّغط، و لا القصير المتردد، و كان ربعة من القوم، و لم يكن بالجعد القطط و لا بالسّبط، و كان جعدا
[1] زاد المعاد 2/ 54. الثجلة: ضخامة البدن. الصعلة: صغر الرأس. و سيم قسيم: حسن جميل. الدعج:
سواد العين. و في أشفاره وطف: في شعر أجفانه طول. صحل. بحة و خشونة. سطع: طول. أزج:
الحاجب الرقيق في الطول. لا نزر و لا هذر: أي وسط لا قليل و لا كثير. محفود: الذي يخدمه أصحابه و يعظمونه و يسرعون في طاعته. المحشود: الذي يجتمع إليه الناس. و لا مفند: لا يفند أحدا أي يهجنه و يستقل عقله بل جميل المعاشرة حسن الصحبة، صاحبه كريم عليه.